انتبه .. بالداخل شخصٌ يعاني !!


نتجوَّلُ كثيراً بالمركبات ، و نجوب الشوارع و الأزقة في المدن الشاسعة المساحة  و الأوطان المترامية الأطراف ، و نشهد بيوتاً و قصوراً شاهقة ، فنشعر بالغبطة و قد يصل بنا الأمر إلى الحسد لأصحاب هذه القصور و الفِلل ، و نتمنى أن نكون مَنْ ينعَم بهذه الرفاهية و الترَف ، و قد نردد عبارة في سرائرنا اعتدنا على ترديدها في مواقف الأماني البعيدة المنال و هي : ( يا بختهم ) ، و قد لا نعلم أننا ربما نكون أكثر منهم سعادةً إذا ما عرفنا أنَّ سرّ السعادة ليس في المال و القصور و السفر و الخَدَم و الحَشَم ، فلربما يقبع خلف هذه الأسوار أبٌ هَشَّم أضلاع زوجته ، أو فقأ عين ابنه بسبب ضربٍ مبرحٍ ، أو في محاولاتٍ دائمة للتحرش الجنسي بإبنته أو خادمته ، أو لربما تخفي هذه الأسوار علاقة غير شرعية بين صاحبة المنزل أو إحدى بناتها و عشيقها أو سائقها ، أو قصة إدمان مخدراتٍ أو كحولٍ يعيشها الابن المراهق  و انتهت هذه القصة بنهاية حياته إما بجرعةٍ زائدةٍ أو بحادثٍ مروريٍ مروِّعٍ عندما كان يقود سيارته مخموراً .

و قد تتعب رقابنا من النظر للأعلى ، فنحاول آنفين تجاهل هذه الطبقة بقصورها و جاهها و سلطانها ، و نسلّط أنظارنا للأسفل على تلك المنازل الشبيهة بمنازلنا أو التي يقطنها أناس في نفس مستوانا ، و نخاطب أنفسنا و نحن نشعر بأننا الأسوأ حالاً في هذه الدنيا و الأفقر حظاً (( كما ينظر معظم الناس لأنفسهم)) و نقول نادبين حظَّنا : نحن الأسوأ في كل شيء ، و حظّنا عاثر دوماً ، و لا أحد يعاني معاناتنا ، و لا أحد يشعر بألمنا ، و لا يوجد من يقاسي ظروفنا ، و قد لا نعلم أن بداخل احد هذه البيوت المتواضعة أمٌ قامت بدور الرجل و المرأة في آنٍ واحد و جاهدت في تربية أبنائها في ظل غياب والدهم الفعلي الذي يعاني مرضاً نفسياً مزمناً ، أو تلك التي نذرت نفسها لخدمة والدتها الكسيحة و إخوانها و آثرت البقاء إلى جانبهم رافضةً الزواج و الإنجاب و الشعور بالأمومة و الحُبّ و الكيان الأسري المستقل ، مضحّيَة بسنوات عمرها دون أن تعلم عن النهاية هل هي ربحٌ أم خسارة ؟!

أو ذلك الابن الأكبر الذي وقعت على عاتقه مسئولية أمه و أخواته بعدما تزوج أبوه و هجرهم ، و صار يتحمل إيجار المنزل الذي يقصم الظهر بمفرده و يخصمه كل شهرٍ من مرتِّبه ، ناسياً موضوع تكوين نفسه للزواج ، معلقاً أمره على الله ، أو تلك الفتاة التي تركتها والدتها و هي ذات أشهرٍ في حضن جدتها لأبيها التي ربّتها و سهرت على راحتها و أصبحت تراها أماً و جدَّةً معاً ، و الأب لاهٍ بالبدء في علاقةٍ زوجيةٍ جديدةٍ بعد أن أنهى علاقات زوجية سابقة ، و يجب ألا أنسى تلك التي لم يأذن الله في نصيبها و بقيت ملازمة لوالدتها التي أنهكها المرض و التي و على الرغم من سقمها إلا أنها كانت بمثابة الخيمة لابنتها ، و عندما رحلت إلى جوار ربها تاهت هذه البنت لأن والدها متزوج من ثلاث نساء غير والدتها و هاجرهم منذ زمن و لا يريد احتوائها ، و سأذكر أيضاً تلك التي تزوَّجت ابن عمها و اكتشفت متأخراً عدم التكافؤ الاجتماعي و الفكري فاختارت الطلاق الذي ترتب عليه تشرد ولدين يعيشان بين زوجة أبٍ و زوج أمٍ .

لازلت أتذكر تلك القصة التي مضى عليها أكثر من خمسة عشر عاماً و كأنها اليوم ، فقد كنا جالسَين أنا و صديقي الحميم على عَتَبَة بيتنا المقابل لبيتهم ، و كان الوقت عصراً ، و كنا نمضي وقتنا في تبادل المزاح و النكات و نغرق في نوباتٍ من الضحك و القهقهة بصوتٍ مرتفع حتى تدمع أعيننا ، و فجأة ، حدث ما لا يمكن لمخلوقٍ توقعه في مجتمعٍ مثل مجتمع الأحساء المحافظ و المتلاصق ، فبينما كنا منسجمَين في مزاحنا ، و إذا بإمرأةٍ تخرج من بيت صديقي سافرة بملابس البيت ، راكضة بأقصى ما تستطيع و زوجها يركض خلفها كي يقبض عليها و يتدارك ما يمكن تداركه ، صارخة بأعلى صوتها : الحقوني ، سوف يقتلني ، سيرتكب فيني جريمة قتل !!..

و بعد أن قبض عليها بيديه حاول أن يختبئ  بها خلف سيارةٍ واقفةٍ و صرخ لأحد أولادها الذين كانوا يتابعون الموقف الصاعق الذي جعل قلوبهم تدق دق الطبول بأن أحضر عباءةً لها . مشهد لم أكن لأصدقه أو يخطر على بالي أنني سأواجهه أو حتى سأحلم به ، كنت مذهولاً جداً لغرابة الموقف الذي شلّنا و جمّد حركتنا ، فقد كنا معتادين على رؤية النساء بالعباءة المُدْلَهِمَّة التي لا تُظهر منها سوى أطراف أصابعها و غطاء الوجه الأسود الذي يخفي معالمها ، و في النهاية اكتشفت أنها أم صديقي الذي كان يجلس بجانبي !!.. و لكم أن تتخيلوا كيف كان موقفه و هو جالس إلى جانبي ، و كيف كان موقفي و أنا جالسٌ إلى جانبه .

ترى ما السبب الذي جعلها تخرج بهذه الصورة ضاربة بكل العادات و الأعراف الاجتماعية عرض الحائط ؟!.. من المؤكد أن هناك سبباً قوياً يدعو للتنقيب ، هل كلامها كان صحيحاً حينما كانت تصرخ بأن زوجها يريد قتلها ؟ أم أنها كانت تعاني مرضاً نفسياً زجَّ بها إلى هذا المشهد ؟!.. برغم مرور هذا الوقت الطويل إلا أنني لم أنسى هذا الموقف و لا زلت أتسائل عن دوافعها !!


تاريخ الميلاد
09 مايو، 1981
السيرة الذاتية
المؤهلات العلمية:
- حاصل على دبلوم المحاسبة التجارية من معهد الإدارة العامة بالرياض عام 2008.
- أدرس حالياً إدارة الأعمال في جامعة الملك فيصل .

الخبرات الوظيفية:
-موظف حكومي في المديرية العامة للشئون الصحية بالرياض من عام 2004 إلى 2008 .
-موظف أهلي في البنك السعودي البريطاني "ساب" بالرياض منذ 2008 و لا زلت على رأس العمل.

مشواري الكتابي:
-كتبت ما يفوق الأربعين مقالة ، و كان معظمها في جريدة "الرياضي" السعودية عندما كان مقرها في المنطقة الشرقية ، كما نشرت أيضاً بعض المقالات في جريدة "الجزيرة" و "اليوم".
-اتجهت للكتابة في المنتديات الثقافية ، و كان من ضمنها "منتدى أزاهير الثقافي".
-اتجهت للنشر على صفحتي الشخصية على الـfacebook و النشر في الصحف الإلكترونية في نفس الوقت ، و على رأسها : شبكة الأحساء الإخبارية ، صحيفة الأحساء الإلكترونية ، مشهد الفكر الأحسائي .
الجنس
ذكر
المعلومات الشخصية
كاتب يرسم صورته في عيون الآخرين من خلال قلمه .. .

بطاقته الشخصية :

الاسم : رائد علي البغلي
تاريخ الميلاد: 05-07-1401هـ الموافق 09-05-1981مـ
مكان الميلاد: الأحساء
ترتيبه بين أخوته : الأكبر
سماته : الطموح ، الصبر ، الكفاح ، الأمل
الاهتمامات الشخصية
الكتابة بأنواعها ، و المطالعة ، و تصفح الإنترنت ، و متابعة كرة القدم .
البريد الإلكتروني
[email protected]
الموقع الإلكتروني
http://raedalbaghli.blogspot.com/