أعياد الربيع العربي

 

تحتاج الدول والأمم إلى عمليات الترميم وإعادة الشحن مثل المجتمعات والأفراد.

الحج والثورة هما عبارة عن عمليات ترميم وصيانة للفرد والمجتمع.

هما عمليتان قابلتان للنجاح وقابلتان للفشل، ولكن لكل حالة أثمانها. تنجح العملية بكونها طبيعية وذاتية، وتفشل عندما تكون مصطنعة ومتكلفة. تكتمل أفراح العيد الحقيقية في نجاحها، أما فشلها فيقلب أعيادها إلى أحزان مكتومة تستمر تبعاتها على الجميع.

نسأل الله للجميع النجاة منها.

الصيانة الدورية، تحديث المعلومات، إعادة الهيكلة، ترقية المستوى، إعادة البرمجة، جميع هذه المصطلحات تصب في خانة إعادة النظر في الوضع القائم وتحديد مسار التغيير المطلوب. هي عمليات تحتاجها الدول والأمم والمجتمعات والشركات والأفراد مثلما تحتاجها المباني والأجهزة والمعدات لإطالة عمرها وتحسين إنتاجيتها.

الفارق بين الحالتين، حالة المجتمعات والأمم وحالة المباني والأجهزة، الفارق الخطير هو بين الإنسان والجماد. لا يحدث التغيير في الأمم والمجتمعات دون رضا الإنسان نفسه، بينما لا حاجة لرضا الجماد على تحديثه أو تغييره.

الحج والثورة، في تأثيرهما على الأفراد والمجتمعات والدول، يشبهان إجراء عملية جراحية للفرد أو المجتمع، ويراد منهما إعادة «فرمتت» الإنسان أو المجتمع، عبر إعادة تمديد وصيانة الوصلات السلكية واللاسلكية، الكهربائية والإلكترونية في جسم الإنسان، أو في جسد المجتمع، من أجل بث وميض الحياة فيهما من جديد بالطاقة وإعادة الشحن وضمان استمرار الحياة بإنتاجية أفضل، ولكن بشرطها وشروطها كي تتحقق للإنسان كرامته وعزته وحريته، وتتحقق للمجتمعات المساواة والعدالة والديمقراطية...

 حجَّ نحو ثلاثة ملايين مسلم هذا العام تقريباً، من أقطاب الأرض كافة. يبذلون كل ما باستطاعتهم كي ينجزوا حجهم ويعودوا إلى ديارهم بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور. يتأثرون ويُؤثرون.

ويدفعون ثمن ذلك من أبدانهم وأموالهم وأوقاتهم.

أما نجاح أو فشل مهمتهم فموكول إلى خالقهم علاَّم الغيوب.

كذلك الثورات العربية التي أنجزت تحرير نفسها مثل تونس ومصر وليبيا، أو التي لا تزال في مخاض الولادة مثل اليمن وسورية والبحرين، جميعها تدفع أثماناً غالية وعالية من دماء أبنائها وحياة سكانها واستقرار أوضاعها. أما نجاحها أو فشلها فلا يزال الوقت مبكراً للنطق بالحكم عليها.

كما لنجاح مهمة الحاج مقدمات كحسن النية وإخلاص العمل والتزام الدقة في تأدية مناسك الحج وتوفر الظروف السلسة للحجاج جميعاً من النواحي الأمنية والدينية والتوعوية، كذلك للثورة شروطها ومقدماتها كإيمان أهلها بالثورة وتفاعل أطيافها معها ووجود أسباب واقعية لقيامها وأن تكون ذاتية الحركة وأن تتوفر لها وسائل دعم إقليمية ودولية.

لا نجاح للحاج دون تلك المقدمات، ولا نجاح للثورة دون تلك الشروط.

فمسألة أمن الحج والحجاج، على سبيل المثال، كما هي من مسؤوليات الحكومة السعودية هي مسؤولية جمع البلدان والدول المشاركة بحجاجها في أي موسم حج، وكذلك هي من مسؤوليات حملات الحج الداخلية والخارجية، ونجاح الحجاج يعتمد على نجاح الأمن.

ومسألة التدخلات الخارجية للثورة، على سبيل المثال أيضاُ، كما هي من مسؤوليات الثوار أولاً وأخيراً لأنهم الأعرف بشؤون بلدهم وشعبهم، كذلك هي مسؤولية جميع أطياف الثورة والشعب، فهي غير محصورة بطرف دون أخر، بل يعتمد نجاح الثورة والثوار على وحدة الموقف من التدخلات الخارجية وطبيعتها ومراحلها.

الذين من حقهم أن يفرحوا يوم العيد، وهو يوم حقيقي اكتملت أفراحهم فيه، هؤلاء الذين أنجزوا مهمتهم بنجاح في الحج أو في الثورة، أما الذين فشلوا فنسأل الله أن يعينهم على مشوار تحمل أعباء وتبعات فشلهم من جراحات جسدية مؤذية وآلام نفسية متعبة وأحزان اجتماعية مستمرة، لأن عملية إعادة المحاولة غير مستحيلة، الحج والثورة، ولكنها أيضاً غير سهلة. أعاننا الله جميعاً على أنفسنا، وجعل جميع أيامنا أعيادا. ونرجو أنكم قضيتم عيداً مباركاً.

كاتب وباحث