محددات الولاء الوطني واحتواء الشيعة

 

 

يغرد الكثير من الطائفيين وأقرانهم ناقصي الوعي والنفعيين من أبناء الوطن للأسف، خارج عش الشراكة الوطنية ووعيها ومتطلباتها دائماً، مكشرين عن أنيابهم الملوثة بجريمة الأحقاد وتبعاتها تجاه إخوانٍ لهم من أبناء الوطن، وذلك بمجرد أن تشتعل فتنة شيعية سنية نتنة هنا أو هناك، أو تسنح أي فرصة لذلك، كاشفين بسلوكهم وتصريحاتهم في الحقيقة، من خلف الأستار والحجب والمراوغات والكلام الملفق بل والصريح أحياناً كثيرة، عن انتمائهم لدوائر مصالحهم الطائفية المتطرفة أو القبلية والأسرية الأنانية أو علاقاتهم الأخرى الشخصية الأنانية الضيقة ... الخ، أو لذلك كله. وذلك كله على حساب الانتماء الحقيقي الجدي والمصيري والخطير للوطن وللشراكة الوطنية ولمصالحها الكبرى الأعم والأهم، والتي تنبثق منها بلا شك كل تفريعات تلك المصلحة العامة، التي تخدم كامل المجتمع والأمة ونسيجهما.

وهنا، في جو التمزق والاحتراب والتنافس والتدافع الشرس هذا، كان لا بد دائماً وأبداً، أن يطرح سؤال الانتماء الوطني والولاء للوطن وصدق المواطنة نفسه بجلاء في عالم الاحتراب، خصوصاً حينما تستغل هوية الطائفة وخصوصيتها في الاتهام بعدم الانتماء والولاء للوطن، وقد طرح السؤال نفسه بلا شك بالفعل من قبل عبر النقاشات والسجالات الدائرة في الوطن في مختلف أرجائه منذ مدة طويلة، وهنا سيطرح نفسه أيضاً مجدداً عبر بوابات ونوافذ السؤال التالي: فما هي محددات المواطنة والانتماء الحقيقي للوطن ومصالحه، حيث أن كل شيء في عالم الإدارة والسياسة خصوصاً، لا بد بلا شك أن تكون له واقعاً وضرورةً محددات ومعرفات واضحة ومحددة؟ وهل الانتماء هنا لطائفة معينة، محددٌ من محددات المواطنة تلك، كما يحاول أن يوحي لنا بذلك البعض؟ أم أنه نافي لها؟ أم ماذا؟!.

وبالطبع هنا كما أشرنا، فإن البعض من الإخوة المخالفين للشيعة (وهم بالطبع لا يعبرون إلا عن أنفسهم، لا عن بقية إخواننا في الوطن والمواطنة، من الطوائف الأخرى)، يعتبرون ويسرهم أن يعتبروا، أن مجرد الانتماء للمذهب الشيعي وللطائفة الشيعية، هو سبب وجيه بحد ذاته، لنفي الولاء للوطن عن إخوانهم الشيعة، أو أقلاً للتشكيك في ذلك الولاء والانتماء له، وتشهد بذلك أقوالهم وتصريحاتهم المعلنة والمعروفة، وغالباً ما لا يكون هؤلاء إلا من الفئة الضالة، أو من المؤيدين والمبررين والمطبلين لها، وذلك كما هو واضحٌ طبعاً، انطلاقا من رغباتهم المكبوتة، ومصالحهم الضيقة المختفية، ومن أفكارهم الضالة، وقناعاتهم الباطلة، وأفكارهم الزائفة والمدمرة. وهذا هو العجب العجاب هنا، وهو أن ينتصر أمثال هؤلاء المفسدين والمخربين للوطن، للوطن والمواطنة!!!.

وهنا فماذا سنقول إذاً، عن أشخاص كهؤلاء، ممن يمزقون الوطن؟ وماذا سنقول عمن يفجر ويدمر أجهزة الدولة (باعتبارها جامعاً واقعياً وتاريخياً للمصالح المشتركة)، وهم ليسوا البديل المناسب بالطبع لها؟ أو يخطط لاغتيال المسؤولين (باعتبارهم أعمدة قائمة واقعاً في كيانها السياسي والاقتصادي والإداري) وهم بالطبع ليسوا بدائل صالحة لهم؟!!! وماذا سنقول عن البعض ممن يسرق الوطن؟!!! وماذا يمكن أن نقول عمن يرتشي ويدلس، أو يحتال ولا يخلص في أداء الوظيفة التي توكل إليه في هذا الوطن؟!!! وماذا سنقول عمن يفكر بأحادية فيدفع باتجاه قمع بقية أبناء بلده ويحارب حرياتهم وعقائدهم وتفكيرهم، ويفرض عليهم رأيه وتوجهه ومذهبه وإيديولوجيته وقناعاته هو فقط وفقط، وكأنه إلههم السبوح القدوس تمجدت أسماؤه؟!!!. نعم، ماذا يمكن أن نقول عن كل هؤلاء، أو من تنطبق عليهم ولو صفة واحدة فقط متأصلة، من تلك الصفات الرديئة السابقة القذرة؟!!!.

أليس أمثال هؤلاء الأشخاص، بما يملكون من صفات، هم الأولى بالاتهام في ولائهم للوطن، وفي حسن المواطنة، والتشكيك في ما يضمرونه من ولاء، خصوصاً حين يدمرون الوطن، ويفككون تلاحمه، ويعززون احتراب أبنائه، بأقوالهم وأفعالهم التي لا تمت أبداً لواقع الإصلاح، من أناسٍ ولدوا من رحم هذا التراب منذ القدم فكانوا منه، وتربوا فوقه طول الزمن فتشكل بهم، وأخلصوا له في أعمالهم، وفي بنائهم لربوعه ومؤسساته، وفي خدمة أبنائه، خير الإخلاص، رغم ما أصابهم من بعض إخوانهم، وما سمعوا من كلمات تجرح القلب، وما تعرضوا له من إهانات وتكفير وتهميش وسب ورغبة في النفي والإقصاء، بل حتى في الإبادة والذبح والقتل، فنمى ذلك الوطن بهم وبسلوكهم؟!!!.

أليس ذاك الفكر الضال، والسلوك المشين تجاه المواطنين والوطن، بما يكتنزه من مقومات وحوافز ودعائم وخطوات تمزيق الوطن وبث الفرقة والفتن وخيانة الأمانة، هو ما يهدد الوطن، وما يجعله على خط الخطر؟ وما يجعله حقيقةً مرمى للإستقطابات الخارجية، المفتتة والخطيرة جداً؟! وبالتالي فهو الأولى بأن يتهم؟!!!.

وهنا، فإن السؤال الذي سيطرح ويجب أن يطرح نفسه ضمن السياق الطبيعي لهذا النقاش، ومن خلال المنطق السليم، في وجوه المفتنين، وعلى كل الحريصين على الوطن، وفي وجه تلك الفتنة، بين سلوكيات ومسارات البناء والهدم، هو: لماذا لم يتم ولا يتم احتواء الشيعة؟ ودمجهم ضمن دائرة أو دوائر المصالح الوطنية، بالبعد عن التهميش، وبقمع الطائفية، حرصاً على هذا الوطن، وحباً في أبنائه وإنسان أرضه، ورغبة في تطويره ونموه وازدهاره، إقتداءً بالأمم المتحضرة، وسلوكها تجاه أبنائها والأقليات منهم؟!.

ولماذا تم ويتم أيضاً، بين فينة وأخرى، وبمناسبة وبدون مناسبة، الزج بهم (أي بالمواطنين الشيعة)من قبل البعض بعيداً، ثم اتهامهم بالانتماء للخارج؟!!!.

ونحن كمواطنين (شيعة)، كما عرفنا ويعرفنا المسؤلون في هذا الوطن، لسنا كما يصمنا البعض من الطائفيين والمفتنين والجاهلين بلا شك. فنحن مواطنون مخلصون، كما أكد التاريخ ذلك، لنا ما لغيرنا، وعلينا ما على غيرنا، بحكم المواطنة. ونحن كما أكد الكثير من شيعة الوطن ورجالاته، في مناسبات عديدة، وأيضاً حتى بدون مناسبات، موالون ومخلصون لهذا الوطن ولقيادته الحكيمة ولقراراتها الرشيدة، وماضون في سبيل الإصلاح، الذي اختاره هذا الوطن، شاء من شاء، وأبى من أبى.

ونحن نعلم، أن العقلاء من أبناء الوطن من جميع أطيافه، كثيرون وليسوا أقلية، وأن الفئة الناعقة بالباطل والفتنة والتشظي، ليست هي إلا شذوذ وأقلية تسير على الباطل وعكس عقارب ساعات الزمن. ونعلم أن حكومتنا الرشيدة بما تكتنزه من رشد وحكمة سياسية تقتضيها وتتطلبها المصلحة العامة، قادرة على رأب الصدع الذي يحدثه هؤلاء، وتعزيز وحدة المواطنين، ودمج الشيعة واحتوائهم، وإخراس ألسنة الطائفيين، وأصحاب الفكر الضال، وإن طال زمان السير على الخطى، في هذا الدرب، خصوصاً إذا وعى الشيعة دورهم والمطلوب منهم، وأبعاد وخيارات كل مرحلة.

وفي الأخير، فإن مما لا شك فيه، أن للانتماء للوطن والمواطنة الصالحة، محددات وضوابط ومعرفات، وهي رغم قابليتها للتحول والتبدل، من بلدٍ إلى بلد، ومن زمنٍ إلى زمن، ومن ظرفٍ إلى ظرف، إلا أنها لا يمكن أبداً في عرف العقلاء وفهمهم ونضجهم السليم، أن تشتمل على محددات ضيقة غبية، يكون منها الجنس (ذكر أو أنثى)، أو اللون (أسود أو أبيض)، أو الطائفة أو المذهب أو الدين أو القبيلة، أو مثل تلك الهرطقات والهراء، الذي تحبه الفئات الضالة.

إن محددات المواطنة الصالحة والصحيحة، هي محددات تنتمي لواقع اليوم، ولمصلحة الجميع، ممن ولدوا فوق هذا التراب والتصقوا بأرضه من أبنائه، ولمن قرروا الحياة والبقاء والاستمرار فوق ترابه وعدم الرحيل عنه منهم، خصوصاً في وقت الشدائد والمحن، ولمن انتموا له بأرواحهم وقلوبهم قبل أبدانهم، فكانوا بالهويات الرسمية وبدونها جزءً منه ومن كتلته الوطنية، فدافعوا عنه، وهم دائماً كذلك ممن يصرون على الإخلاص له وبنائه وإعلائه ورفع شأنه وتطهيره من كل خراب وفساد وظلم ومحسوبيات باطلة. وهؤلاء لا يمكن انتزاع الوطنية منهم بمجرد، هرطقات وتعميمات وكلمات باطلة.

ولذا، فالمسألة في هذا الوطن في الأخير، ليست في طرد الشيعة من أبنائه منه، أو اتهامهم بعدم الولاء له، أو مطالبتهم بصكوك براءة، تطهرهم من إثمٍ اخترعه غيرهم لهم، لسبب وحيد، هو فقط انتمائهم لمذهبهم، وهو المذهب الشيعي الإثني عشري.

إن المسألة هنا، هي أن يعطى كل ذي حقٍ حقه، وأن يتم دمج الشيعة واحتواؤهم وحمايتهم في وطنهم بالطرق القانونية والتنظيمية المثلى، ورد الضال منهم إن وجد بالحسنى، لأنهم جزء منه لا يمكن نزعه عنه، وسد الثغرات التي ينفذ منها المفتنون الممزقون لوحدتنا الوطنية، كي لا نفتح بخلاف ذلك نوافذ للفتن، أو لتسلل الأعداء والمغرضين، ومن يعزف أبواقه ومزاميره لها، من الداخل أو الخارج.

ودمت في الأخير يا وطني بألف خير ... يا أغلى وطن.