عبادة الشخصية

 

 

عزيزي القارئ – لن أخوض في داء (عبادة الشخصية أو الفرد) بالتحليل الإجتماعي و النفسي، فهذا له خبراؤه، عملا بمبدأ الإختصاص الذي نؤمن به، و لكننا نعيش الحالة الربانية، التي صنعها الباري جل و علا في الإنسان، ألا و هي التكريم و تحكيم العقل، فليسمح لي قارئي بتواضع – أن أدخل معه في الجانب السياسي منه.

فعبادة الشخصية هو ببساطة ، ذلك المرض العسير و الفتاك ، الذي يضفي صفة القداسة و التبجيل الزائف ، و تغليب الخيال و اللامنطق ، لأشخاص هم أقرب ما يكونوا إلى الناس العاديين ، حتى و إن سخرت لهم مناصب سياسية أو دينية تحت أي ظرف .

و هذا المرض تخلص منه المجتمع الغربي ، و عالمه السياسي و الديني بتقدم كبير ، بينما نحن في الشرق ، لا زلنا نعاني من وطأته ، و نعيش أسوأ صور استغلال الإنسان لنفسه ، تحت ظل العبودية و الإنقياد الأعمى لفرد ما ، أي فرد كان ، بمنطق الأبوة و صورة الموجه أو القائد الذي يأمر فيطاع بدون أي تفكير !

أعتقد بثقة أن الأب الذي يمتلك شخصية طبيعية ، حتى و إن شابها بعض التسلط الموروث أو الشدة ، فهو – أي الأب يحرص على إعطاء الثقة ، و القدرة على اتخاذ القرار لأبنائه فيما بعد ، أما حالة الاستبداد فهي تجنح بمن يسير في ركبها ، نحو الخنوع و الذل ما أمكن !

من بديهيات القول أن المجتمع الغربي ، قد عاش قرونا و هو يقدس الكنيسة و رجالها ، و التي بدورها مارست فنون الإقصاء و التطرف و شيوع الرأي الواحد ،  فهل نحن اليوم نختلف عن هذا ؟!

كما أن هذا الإنسان الأوروبي ، الذي انفجرت بين يديه الثورة الصناعية ، قد وقع في تقديس الحاكم السياسي ، الذي استغل الدين أحيانا ، أو العرق و التاريخ في أحيان أخرى .

فأدولف هتلر (1889- 1945) لم يتردد كي يحقق أحلام إمبراطوريته الجرمانية ، باللعب على فكرة العرق الآري للألمان ، و هذا ما تحقق له من شعبية هائلة ،حتى و إن كثر الضحايا و المساجين في معتقلاته !


و قس على ذلك بشكل أو آخر، موسوليني ( 1883- 1945) في إيطاليا ، و الجنرال فرانكو (1892- 1975) في إسبانيا ، و ستالين (1878- 1953) في الإتحاد السوفييتي السابق .

لا يكمن أن نغفل الخلل الداخلي في الشعوب ، الذي يجعل هؤلاء الجلادين و أمثالهم ، يستمرون مراحل طويلة في السيطرة ، على الوعي الثقافي للناس ، رغم ما يحملوه من النكبات على أوطانهم .

لكن و بكل تأكيد لقد تخلصت أوروبا اليوم من هذا التيه ، و من عبودية الفرد إلى المجتمع المدني ، و حكم المؤسسات المنتخبة و ليس المعينة ، و من أسباب ذلك التقدم العلمي و الحضاري للإنسان فيها ، الذي يتعارض مع كونه عبدا لفرد ما ، تحت أي سلطة كانت .

أما نحن في العالم الثالث و بعض من آسيا و أمريكا اللاتينية،  فقد أسرت شعوبنا في شخصية ( القائد الضرورة ) و (الزعيم الملهم ) ، تلك الشعوب المقهورة المكسورة ، التي نهشها الفقر و التخلف العلمي ، و غياب العدالة الإجتماعية و التنمية ، و انعدام الديمقراطية و الحريات !

إن سقوط شعوبنا المشرقية في شراك هوى و عشق الشخصية، على اختلاف أشكالها و موقعها ، أمر معقد ، يجلب الجمود و التقوقع ، حتى و إن كانت تلك الشخصية المحبوبة  "عادلة " أو  "صالحة" لا فرق يذكر !

ليعذرني قارئي إن تجنبت ذكر شخصيات سياسية أو دينية في عالم اليوم ، فالانتقائية ليست منهجنا ، فإما تسليط الضوء عليها بالمجمل ، أو تركها لأصحاب الألباب ، و هذا ما آثرته عمدا ، فثقتي فيكم واسعة ، تتسع لأن يحمل تفكير كل واحد منا أنماطا من هذه الشخصيات .

و تلك حكاية أخرى ..... دمتم بخير .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
اطياف الحرية
[ القطيف - القطيف ]: 6 / 1 / 2012م - 8:00 م
تحية طيبة...
الاستاذ العزيز .. من حين لآخر تطل علينا بموضوع لا شك أنه يعبر عن فكرة ما هذه الفكرة تحتاج إلى معالجات متعددة, فموضوع عبادة الشخصية المطروحة هنا هي من أكبر الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع وهذا راجع بالأساس للإرث التاريخي لهذه الأمة.
دمت سالماً ايها الصديق العزيز.
2
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 7 / 1 / 2012م - 6:50 م
الأخ الأستاذ / أطياف الحرية - وفقه الله
أحمل لكم شديد الثناء و التقدير ، على اهتمامكم بما نكتب ، رغم الزحام الثقافي الذي تعيشونه ، و لن نختلف معكم بأي حال عن فكرة تعدد القراءات و المعالجات و البدائل عن هذه الحالة المرضية (عبادة الشخصية) ، فلا يمكن بحال أن يكون كاتب ما أو مقال ما أن يغوص في أعماق هذه العقدة الموروثة ، بل لعلها تحتاج للعشرات من الكتب ، و التوعية المستمرة ، و لكن هل يسمح بذلك ؟
لا غاب قلمك و فكرك أيها المتوقد .
معلم اللغة العربية