تأملات في زيارة وارث

(4-4)حركة الإصلاح الضرورة الدائمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهمإلى قيام يوم الدين .

الفلسفة الاجتماعية لسنة الوراثة

سنة الوراثة تتضمن دلالات تحكي فلسفتها فهي من جهة تدل على فعل الهداية والإصلاح ومن جهة تفيد الاستمرارية والتوارث فهي ذات دلالتين تشرح فلسفة وجودها اجتماعيا  واليك بيان هذه الفلسفة .

أولا :ضرورة الحركة الإصلاحية

سنة الوراثة تشير إلى مبدأ اجتماعي مهم في مسيرة الأمم ، ألا وهو ضرورة وجود حركة إصلاحية في الأمة كركيزة في عملية النهوض الحضاري ، إذ لن تصل امة إلى مستويات من الرقي الحضاري وهي تفتقر إلى حراك اجتماعي إصلاحي .

بل إن الأمم التي تفتقد الحركة الإصلاحية أمم يسودها الركود الذي ينتهي إلى موات الأمة مما يعني ضمور لكل عوامل النهوض الحضاري حتى تستحيل تلك الأمة إلى مسخ في إنسانيتها تقارب في بيئتها بيئة الأنعام "إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"   ، تقبل الاستلاب والاستعباد ، بيئة تفرز ظواهر بشرية كما فرعون ، تستخف عقول قومها وتستعلي حتى تجعل من نفسها ربا بل ربهم الأعلى ، فيتخذ هذا الفرعون تلك الأمة الداجنة خولا بما فقدوا من إنسانيتهم ، فيستضعف طائفة ويذبح أخرى ويعبث بالأرواح والأعراض دون أن يسمع من احد كلمة لا " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم انه كان من المفسدين "   ، وهكذا هم الطغاة المستبدون الذين بلغوا ما بلغوا من عبث بمصائر شعوبهم وسحق لكرامتهم وإنسانيتهم إنما بسبب ما آلت إليه تلك الشعوب من موات في إرادتها وفقدان لحراكها الإصلاحي فبات مجتمعا خائرا مستسلما لشتى أصناف القهر والاستعباد .

من هنا تأتي حاجة الأمم إلى حركة إصلاحية تعيد للإنسان إنسانيته وتصحح مسيرة الأمة وتنهض بها في مواجهة التحديات وإصلاح واقعها ، فالمجتمعات الوحيدة التي تنعم بالتقدم هي التي تجعل من حركة الإصلاح سلوكا وركيزة في نظمها الاجتماعي بما يكفل للمجتمع التجدد والحياة كما هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي جسدها الإمام الحسين عليه السلام في حركته بأسمى صورها وفي الزيارة " اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ ... اَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنْ الْمُنْكَرِ" .

وحين ندعو لوجود وقيام حركة إصلاحية في الأمة لضمان صحتها وسلامتها وتقدمها ورقيها ، إنما نعني الإصلاح بكل أبعاده السياسية منها والاجتماعية والتربوية والثقافية وغيرها ، كما وبشتى أنساقه من بناء وتنمية أو مقارعة للحيف والظلم والقهر والاستبداد ونسف لكافة بناه وتشخصاته .

ثانيا :توريث الحركة الإصلاحية واستمراريتها

سنة الوراثة تهدينا إلى حقيقة أخرى وهي ضرورة استمرارية حركة الإصلاح في الأمة ، وعدم توقفها أو فتورها , وذلك لأن المجتمع في كل مراحل تقدمه هو بحاجة إلى هذه الحركة الإصلاحية هذا أولا وثانيا لأن الحركة الإصلاحية ضمانة للأمة من النكوص والارتداد والمحافظة على منجزاتها وما حققته من تقدم .

إن عملية الإصلاح من العمليات الطويلة فقد تتطلب زمنا أطول من عمر المصلح ،و من هنا نؤكد بأنه لا يكفي أن نقود حركة إصلاحية في الأمة بل على رواد التحرك الإصلاحي أن يشتغلوا أيضا بهمّ نقل هذه الأمانة للأجيال القادمة ، فان توريث حركة الإصلاح ضمانة لاستمراريتها وتحقيق أهدافها والحفاظ على منجزاتها .

استراتيجيات التوريث

يمكن لنا أن نحافظ على استمرارية حركة الإصلاح وديمومتها في الأمة من خلال جملة مقترحات أسميناها استراتيجيات التوريث وهي :

  1. بناء شخصيات رسالية وذلك عبر تنشئة جيل قادر عل تحمل مسؤولياته في حمل الأمانةمن خلال  التربية والتوعية و التثقيف لعينات مختارة من أبناء المجتمع ليحملوا شعلة الإصلاح ومسيرتها فيما بعد   .
  2. نشر ثقافة الإصلاح والتغيير فمن خلال نشر ثقافة التغيير وتجذيرها في المجتمع سنخلق بذلك قاعدة ووسطا حاضنا لرؤية التغيير والإصلاح التي نحملها فنكون بذلك قد خلقنا وسطا مساندا لمشروع الإصلاح ، ووفرنا قاعدة تمدنا بالكفاءات القابلة للتأهيل وحمل الأمانة .
  3. مأسسة الأنشطة والمشاريع الإصلاحية فحين نمأسس حركتنا الإصلاحية نكون قد وفرنا لها ضمان استمراريتها ، فالمأسسة تعني عتق المشروع الإصلاحي من محدودية الفرد إلى سعة امتداد الجماعة والعقل والعمل الجمعيين ، فسيادة النظام الجمعي المؤسسي في مشاريع الإصلاح يتيح لها التجدد الدائم بالطاقات والكفاءات ،والامتداد الزمني ، فلا تبقى حركة الإصلاح رهن بفرد تنتهي بغيابه أو تتغير بتغيره ، بل رهن بنظام داخلي يحكم مسيرة المؤسسة وعطاءها  .
  4. إرساء أعراف وتقاليد تدعم حركة الإصلاح الأعراف والتقاليد عادة ما تمثل مرحلة ثقافية مرت بها تلك المجتمعات ، كما وتقوم بتثبيت ما تختزله من قيم ومفاهيم في ذلك المجتمع وتساهم في بقائها ، فصلاة الجمعة مثلا شعيرة إصلاحية أخذت مكانها في المجتمع ، وكذا المجالس الحسينية ، ومن الأعراف التي صانت علمائنا من أن يكونوا مأجورين لسلاطين الجور هو أن مراجعنا الأعلام لا يقصدون الحاكم والسلطان بالزيارة بل هو الذي يقصدهم .

فبإرساء أعراف وتقاليد ذات صلة بالحركة الإصلاحية نكون قد حافظنا على منجزات الإصلاح ووثقناها في حياة الأمة ، وفرضنا واقعا في وجه آلة الاستبداد .

وفي الختام نسأل الله أن يرزقنا شفاعة الحسين يوم الورود وان يثبت لنا قدم صدق عنده مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام . والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته .