كبسولات للسعادة
كثيراً ما يتوق الناس إلى ما ليس في متناولهم ، لا لأنهم يريدون هذا الشيء بذاته ، أو لأنهم يظنون أنهم سيكونون أكثر سعادة إذا ما حصلوا عليه ، ولكن لأن هناك شيئاً يفتقرون إليه في تركيبهم العقلي والروحي ليس إلاّ .
ومن أوهام الكائن البشري أن يعتقد أن السعادة رهينة بشيء، أو زمن، أو مكان ما ، أو أنه يمكن الإستحواذ عليها بالمال ، أو أنها توجد في جهة غير أُخرى، أو بأنها سوف تأتي على أجنحة الزمان ، وكل أولئك - لعمري - من بعض الترهات التي تعتري الناس في طفولة التفكير.
السعادة لا يمكن أن تُشترى بالمال لأنها حالة من حالات العقل، حيث أنها مستمدة من الداخل موجهة إلى الخارج ، وستتبعك في كل مكان ، وستلاحقك كظلك في كل زاوية، إذا أنت نظرت إلى الأشياء والحالات التي تحيط بك بعين مميزة فاحصة ، وعندئذ تعرف أن التمييز والتقدير هو " الحب " وأن الحب هو أن تكون سعيداً .
فما الأشياء التي تجعلك سعيداً أو شقياً ؟ أنت اليوم تقول أنك سعيد ، لأن لديك ما كنت تريد الحصول عليه ، وبعد شهر ستكون شقياً وتود أن تحصل على شيء آخر ، وستكون سعيداً مرة أُخرى عندما يلوح أمامك أمل الحصول على رغبتك الجديدة ، وهكذا دواليك ، والأمر المؤكد هو : إنّ كيس رغبات الإنسان لا قعر له ، والسعادة التي تترجح من خيطٍ واهٍ إنما هي كرغبات محسوسة معرضة للسقوط والضياع ، هذه السعادة مثلها في الخداع كمثل السراب يحسبه العطشانُ ماءً .. !!
والرغبة، والطموح، والتأميل فيما هو أحسن ، كل أولئك ضروري للتقدم الإنساني ولا سيما إذا فُسرت كما يجب أن تُفسّر ، فهي مبعث للسعادة ، ومن هنا يجب علينا أن نتذكر دائماً بأنه لا يوجد هناك شيء مادي يستحق أن نزن به كل سعادتنا ، فإذا كانت رغباتك تهدر سعادتك ، فغربها جيداً وانظر كم منها غير نافع ، فاقنع نفسك لتقوم بقذفه بعيداً عنك .
حذاري - يا عزيزي - أن تكون متتبعاً لأولئك الأغرار الواهمين لأنه ينقصهم العقل ، إنهم يرون القشور لا لبابها ، والشيء الذي يعوزهم هو التغلغل في أعماق الأشياء ، أي التبصر ، والتفرس ، والإستشفاف . إنّ المغناطيس الكهربي يجذب الحديد عندما يسري التيار في وحداته . كذلك تجذب الشخصية السعادة عندما يتدفق تيار عقل ثاقب في الشعور الداخلي .
أنت لا يمكنك أن تكون سعيداً لأن عندك ما عندك ، بل لأنك تحب ما عندك ، وقوة الحب والكراهية كامنة في نفسك ، واتجاهك الفردي نحو شيء وصِلتك الشخصية به هي التي يُعتدُّ بها ، ربما تكون أنت هنا أو هناك ، فإذا أضاء قلبك وسما عقلك ، ستشعر بالسعادة تغمر نفسك ، أمّا إذا فكرت بأنك عوملت بإجحاف ، أو أنك ظننت أنه لا يمكنك الحصول على ما ترغب ، أو إذا لم يبدو لك الجو جميلاً ، فلا يمكنك أن تملك إلاّ الحزن ، وهذا ما لا يتمناه عاقل . تحياتي .
