لا لن أعيش في جلباب رئيسي !!

 

 

 

من المسلّمات الإدارية أن يتوفر لدى الموظفين قدراً معقولاً من الولاء المؤسسي لبيئة العمل حتى يتسنى تحقيق التفاعل الإيجابي بين الأجزاء المكونة للنسق الإداري ، وبالتالي التمكن من بلوغ الأهداف المنشودة القريبة منها والبعيدة المدى على حدٍ سواء ، كما أنه من الضرورة بمكان أن تسود أجواء الألفة والتعاون بينهم في سبيل إنجاز المهام الموكلة لكل منهم بيسر وكفاءة بعيداً عن مربّعات الغيرة والمقارنات القاتلة التي تؤدي إلى تشرذم البيئة والإصابة بالشيخوخة الوظيفية المُبكرة .

ومن جانب آخر تمثل العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين محوراً مهماً من محاور بيئة العمل التي لا يمكن تحقيق الإنجازات فيها دون توفر الإنسجام والفهم المشترك ، وقناعة كلٌ منهما بالآخر واعتباره جزءاً مكملاً لبقية الأجزاء في الحاضنة الإدارية التي تستوعبهم جميعاً .

غير أنّ هذه العلاقة التبادلية تتطلب القدرة على التفريق فيها بين ما يقع في الدائرة الديناميكية للرئيس ويتوجب على المرؤوس تنفيذه ، وبين ما يمثل صيرورة الموظف ذاته ، ولا يحق لكائن من كان السطو عليه أو مصادرته بأي صورة كانت .

إلاّ أن الإشكالية التي يقع فيها بعض الموظفين الذين ينتمون " لمجتمع الطاعة " تجعل هذه العلاقةتميل إلى نمط التبعية وإلغاء الذات والذوبان التام في شخصية الرئيس ، أحياناً يكون ذلك بسبب الإعجاب والمودة اللامتناهيين  وفي أحيانٍ أُخرى يكون ذلك الذوبان بصورة قسرية نتيجة للسيطرة المطلقة لحضرة الرئيس واحتلاله الإداري لذات المرؤوس .

وهنا يُطرح السؤال التالي : هل يجب أن يعيش الموظف في جلباب رئيسه ، ويتجاهل متطلبات دلالات شخصيته حتى يُقال أنهُ قد حقق الولاء الذي لا يقبل الشك ؟ ثم هل يحق لبعض الرؤساء مصادرة شخصية مرؤوسيهم ؟ أو قبول مبادرة الموظف " الطّيب " الذي يقع تحت دائرة إشرافهم لتنحية شخصيته جانباً والإنصهار التام في ذاتهم ؟ 

إنني أعتقد جازماً أنه لا يوجد موظف يحترمُ نفسه ويتمتع بالصحة النفسية يعمد إلى تغييب شخصيتهُ والذوبان الكلي في شخصية رئيسه من أجل أن يحظى برضاه ، كما أنني أعتقد كذلك أنهُ لا يوجد هناك مدير أو رئيس يفهم أبسط قواعد الإدارة يرضى بأن ينسف مرؤوسوه شخصياتهم ليتماهوا مع شخصيته الإستثنائية ، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إنحسار عنصراً مهماً من العناصر الفطرية لأي إنسان وهو الإعتزاز بالذات أو تقدير الذات .

من هنا : إن كان هناك من يرى في تهميش ذاته ودسها في التراب وسيلة فاعلة لنيل رضا المديرأو الرئيس الهُمام فاليعرف اليوم أنه في الإتجاه الخطأ ، وإنّ طريقتهُ تلك إنما تتولّد عنها حالة من التكلُّس في تقدير الذات وعدم إحترامها بالصورة التي تستحق ، كما أن ذلك السلوك من شأنه أن يؤدي إلى ضمور المهارات الشخصية للموظفين ، ويجعلهم عبارة عن نسخ كربونية من الرئيس وهذا مالا يتناسب مع العلاقة الموضوعية بين الرئيس والمرؤوسين ، ويتنافى مع أصول العملية الإشرافية السليمة ، ويتعارض مع نظرية التكامل والإختلاف التي لا يمكن لأي فريق عمل يحترم نفسه أن يستكمل إنجازاته خارج نطاق إطارها .

إنّ وسائل التعبير عن الولاء لا تتمثل بالعيش في جلباب الرئيس ، بل في التفاعل الواعي مع إرشاداته وتوجيهاته ، وتصويب ما يستحق التصويب من أفكاره وأفعاله ، والإخلاص في نصحه عندما يتطلب الأمر ذلك ، وتسهيل مهمته ، ومساعدته على النجاح من خلال التكامل معهُ والإخلاص لهُ وليس الذوبان فيه أو الهرولة البلهاء خلف طموحاته الشخصية ، وإن استحسن ذلك . تحيّاتي .

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية