تقويض التفويض .. لماذا ؟

 

 

 

 

يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ( ثيودور روزفلت ) : " إنّ أفضل مدير تنفيذي هو الذي يمتلك ما يكفي من الحس لإختيار الرجال المناسبين لإنجاز ما يريد إنجازه، وما يكفي من ضبط النفس لعدم التطفل عليهم أثناء إنجازه " .

لكي نقود الآخرين بنجاح، علينا أن نساعدهم على اكتشاف قدراتهم والإفصاح عن أنفسهم في وضح النهار، وهذا يعني بالتأكيد أن نكون في صفِّهم، ونقوم بتشجيعهم، ونمنحهم السلطة، ونفوضهم الصلاحية، ونساعدهم على النجاح ما استطعنا لذلك سبيلا.

بيد أن ألعاب القيادة التي تعلمها معظمنا عندما كنا صبية صغاراً كانت تحثنا على سحق الآخرين لكي نصبح قادة، فإذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، والغلبُ قدحٌ في القلب، وغيرها من الأمثال البالية التي ساهمت بشكل أو بآخر في تعزيز داء الإستحواذ والعظمة في نفوسنا بينما نحنُ كنا في قمة البراءة، والمشكلة في هذه الألعاب التراثية هي أنهُ لكي تفوزعليك أن تجعل الآخرين جميعاً يخسرون، لأنها قائمة على الخوف وعدم الإحساس بالثقة والأمان، وهي على النقيض تماماً من الطريقة المُثلى لصنع وإعداد القادة المتميزين.

إنّ نموذج تفويض السلطة المتحرِّر في القيادة يتحول مبتعداً عن المنصب نحو النفوذ مع الناس، وهو الذي يتم في إطاره منحهم جميعاً أدواراً قيادية حتى يمكنهم الإسهام بأقصى طاقتهم في العملية الإنتاجية، وإلاّ فلا. فعندما لا يستطيع أو لا يريد أحدهم تفويض السلطة للآخرين لسبب أو لآخر، فإنه بذلك يضع عوائق في بيئة العمل لا يُمكن لمفرداته التغلب عليها أو تجاوزها بأي حالٍ من الأحوال.

وبطبيعة الحال هناك ثلاثة اسباب تدفع المعنيين لعدم تفويض السلطة لمن حولهم، وهي :  الرغبة في الأمان الوظيفي، ومقاومة التغيير، ونقص قيمة الذات، وأياً كان السبب الذي يقف وراء إحجام البعض عن القيام بتفويض ولو بعض صلاحياتهم للآخرين، فإن ذلك يُعدُّ خللاً كبيراً في العملية القيادية، ويقلل من فرص إعداد وتأهيل قادة المستقبل، ويتسبب في إصابة بيئة العمل بأعراض الشيخوخة المبكرة، ويقلل من نسبة حظوظها في النمو والإزدهار والتأثير.

إنّ أفضل القادة هم أولئك القادرون على وهب ما لديهم، لأنهم يؤمنون بأن الأشياء العظيمة تحدث عندما لا تبالي مُطلقاً من الذي سيُنسب إليه الفضل، بل وتنسب الفضل فيه للآخرين، وهذا يعني أن تكون القيادة قائمة على المودة والإيثار وليس على ثقافة الإستلاب والتقتير.

القادة الحقيقيون هم الذين يركزون بشدّة على مساعدة الآخرين، وليس لديهم في الأساس حاجة لسلطة وظائفهم، لأنهم يكتسبون السلطة عن طريق منحها لمن حولهم بكل راحة ضمير، أمّا أولئك الذين ينظرون إلى السلطة كأنها قطعة من الجليد إذا تم تداولها بين أكثر من يد فإن مآلها للذوبان، فلا تنتظر منهم أبداً أن يبادروا إلى تفويض ولو ما هو هامشي من صلاحياتهم لأنهم يفتقدون للثقة في الذات والتشكيك في نوايا الآخرين، ومحاولة كبتهم للأسفل بدلاً من الإرتقاء بهم للأعلى، وهذا هو أس المشكلة يا حضرات .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 17 / 5 / 2012م - 11:42 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
ما وضعه ذهنك المتوقد نورا ، اليوم في الشبكة هو أحد أعراض مرض الديكتاتورية و التفرد !
لا توجد إلا إستثناءات نادرة تخرج عن عن هذا التوصيف و التشخيص السليم الذي وضعتموه ، إذا كان الخلق و الإستقامة ، هما الركن الأول في أزمة القيادة لدينا في الشرق ، ففن الإدارة ركنها الثاني .
طروحات متميزة و دقة في الوصف .
جادت السماء عليك خيرا .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية