اجتماعيون ولكن .. !!

 

 

 

إنّ من الحقوق التي لا ينكرها عاقل ، حق الفرد في بناء ذاته وتكوين صيرورته الإجتماعية ، وتصميم بصمته الخاصة التي تميزه عن سواه من البشر ، وعلى المجتمع أيضاً ان يتيح لأفراده الفرصة تلو الأخرى لقولبة ذاتهم ومنجزاتهم الشخصية في إطار القيم الإجتماعية السائدة ما أمكن ذلك.

من هنا فإن " الفردية " ليست بالضرورة هي ضد وحدة الجماعة ، كما أنها لا تمثل إختراقاً غير محمود للتماسك الإجتماعي أو تهديداً للروح الجماعية ، أو مدرجاً من مدارج الخلاف والشقاق وإصابة جسد المجتمع بالوهن والخوار والضعف العام .

ولكي تتنفس الفردية المتوازنة بحريّة وأمان ، لا بد من أن يتم تفكيك الخطابات الشمولية التي تعمل على مُصادرة تحقيق الفرد لذاته ، وتجبره قسراً على أن يذوب في المشهد العام للجماعة ، بل وتقوم الجماعة ذاتها بمقاومة رغبة الفرد إلى التحرر من ربقة سلطة المجتمع الجارفة، والإعتراف بحقه في أن يختار كينونته الإجتماعية بعيداً عن بؤس الأيديولوجيا التي تعمل على تكتيفه والحد من انطلاقه في الفضاء الرحب الذي يحيط به من كل إتجاه .

ولكن في المقابل يجب أن لا تقود النزعة الفردية إلى التحول نحو النرجسية ، وسيطرة الذات المتعالية على " الحس الجمعي " أو الميل إلى الإنكفاء على الذات والسخرية من الحشد الإجتماعي والنظر إليه على أنه طوق من حديد يحاصر الإبداع ويخنقه تحت ضغط أفكار ورؤى الآخرين مما يؤدي إلى تجزئة المجتمع وتحويل كفاءاته الواعدة إلى غبار لا نهائي من " النراجسة " المهووسين بذاتهم ليل نهار ، والمتصفون بالبرود الإجتماعي الحاد .

ومن جانب آخر ربما ساهمت ثورة المعلومات والتقنيات الحديثة – كما أعتقد - في تعزيز هذا السلوك النرجسي الحاد نظراً للتآكل الكبير في أنماط التفاعلات الإجتماعية والإعتمادية التبادلية بين الأفراد الذين يشكلون الأجزاء الرئيسة المكوِّنة للنسق العام للمجتمع ، لأن هذه التقنيات أدّت إلى  زيادة قدرات الإنسان زيادة ضخمه بصفته الفردية ، وساهمت في إضعاف ضغط الحاجة لديه التي ترغمه للإستعانة بسواه لإشباع إحتياجاته وإنهاء مصالحه الخاصة ، الأمر الذي ربما يعزِّز في ذاته الشعور النرجسي ويغريه للإستغناء عن الآخرين، إنها لعنة الآلَه.

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية