عشاء الشيطان ! .. قصة حقيقية

 

 

 

العيد على الأبواب ، وهب بعضهم وأستعد للسفر إلي ماوراء البحار، وشمر الأخر عن ساعديه ، وسل سلاحه  وأومأ برمحه ، كي يظهر بطولات وفتوحات الزير الشجاع الذي يعيش بداخله . كل هذه مقدمة للقصة الحقيقية التي وصلتني بعد أن جمعت حروفها ورتبت كلماتها من صاحبها مباشرة ، فصقلتها وهرجت بلسان صاحبها ، مع وضع بعض الملح والبهارات المعطرة .

يقول صاحبنا بصوت شجي وحزين : أتصلت بصديقي ، بعد أن خطط لنا الشيطان إجازتنا السنوية بعد العيد ، وكيف سنستغلها ونستمتع بها ، وكيف سنتملص من زوجاتنا ونقنعهما ، فوافق هو على الخطة ، وإننا أي بعد العيد بأسبوعين سنكون بدورة تدريبية  للعمل  " ولامن شاف ولا من دري " كما يقول إخوتنا في مصر ، فأتـفقنا على كل شئ ورتبنا كل الأمور .. نسيت أن أخبركم إن زوجتي لاتعرف زوجة صديقي ، وهذا أجمل شئ ، كي لا ينفضح أمرنا ، المهم أصطحبته معي بسيارتي الأمريكية الفارهة وبعد نصف يوم  وصلنا هدفنا ، وكان الطريق مليء بالإبتسامات وبالوعود والبطولات التي سنقوم بها .

نزلنا بشقة خاصة بفندق كبير ، وزارنا شخص وسيط من القائمة التي معي ، فوصف لنا الحور العين اللاتي ينتظرننا ،  وكيف سنسعد بأمسية لامثيل لها معهن ، وإنها ستكون ليلة عشاء جميلة مع أجمل خلق الله .. كان شرطه أن نترك الفندق ونذهب بسيارتنا إلي الحارة الفلانية ، والتي تقع بوسط البلدة ،  وإننا يجب أن نستأجر شقة بتلك المنطقة ، وهناك سنجد ما نبحث عنه .

حسب الوصف دخلنا المنطقة المعنية ، ومررنا بأزقتها الضيقة  القديمة ، كانت النظرات مريبة من بعض الشباب المصطفين على أرصفتها ، وما إن توقفنا بإحدى الساحات المفتوحة بوسط البلدة ، حتى حضر شاب مراهق وسألنا ماهي حاجتنا هنا ، فأخبرناه إننا ضيوف عند رجل قريب لأمنا ، وإننا غرباء ، فنظر الشاب إلي لوحة السيارة وهز برأسه وكأنه لم يقتنع بجوابنا .

وصلنا البيت المطلوب ، وأستقبلنا مسن  يشع من وجهه نور إيماني يصل إلي عنان السماء ، وكان كلامه يتقاطع بتسبيح الله ، ففهم من كلامنا مانسعى إليه ، وإننا نريد زواج وناسة من الطرق المعتادة ، وبأي أسم موجود ، مصياف مضياف أو حتى مصناف ، بعدها دخلت علينا فتاتان عربيتان ، وتمت العقد، وكانتا  تتلونان بالكلام والأفتتان أمام العيان دون خوف أو حياء.

كان كل شئ بمقابل ، وسعره مضاعف عشرين ضعفاً ، وكأنهم يقطعون جيوبنا بالمنشار، الشقة والنقة والبقة وووووو ، وكل شئ يلوح برأسكم ، فدخل كلاً منا على أنثاه ، وما إن توسطت الغرفة حتى أسودت الدنيا بوجهي ، وخاصة بعد أن رمت بحيائها أمامي كورقة بالطريق ، فوجدتها دون إخلاق أو حياء ، بل حيوانية متدنية بهيمية الصنع ، ورائحتها قد أزكمت أنفي وقرحته ، فأعترفت إن كل هذا تمثيل ، وإن الحرام واقع بيننا لامحالة ، فهي متزوجة وأم لطفلين، ولايوجد زواج بيننا ، وما رآيناه من العجوز سوى تمثيلة مصطنعة ومصيدة لي ولأمثالي من المغفلين .. وماهي دقائق حتى تناسيت وأغمضت عين واحدة ، فنزلت الغيمة السوداء على رؤوسنا ، ووقعت الخطيئة ، وسال السم الزعاف فوق خيط الشرف الرفيع ، فهجرت مخدعها ، ودخلت عرياناً الخلاء الشيطاني ، وإذا أمامي خرق مرمية وملابس بالية لشياطين مرت من هنا ، ولم أجد ما أغتسل به من سبل الراحة.

حينها تذكرت زوجتي المسكينة التي تنتظرني ، تذكرت شريكتي الجميلة والحنونة المؤمنة التي تخاف ربها ، تذكرت إبتسامة أبني البريئة ، تذكرت أمي وأبي ، تذكرت طهارة بيتي وحلاوة وطيني ، تذكرت الوقفات الجميلة والذكريات السعيدة مع زوجتي بك زاوية بالبيت ، كل شئ حضرني بتلك اللحظة والدموع تنهمر على الوجنات .. فجأة ! وطرق الباب يقاطع تفكيري وأستغفاري ذنوبي ، إنها فتاة صديقي تصرخ وتطلب المساعدة ، فخرجت شبه عريان ، وإذا بصاحبي ممدداً على أرض الحمام ، بوضع مقزز ومنفـر ، إنه عريان وملطخ بأوساخ الرذيلة التي تخرج من فمه من أسفله حتى منخريه !  وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ، قلبي يدق بسرعة ، روحي خائفة وجلة ، ويداي ترتعش ، أي والله !  فأتصلت بالرجل العجوز وأنا أبكي ، فحضر في الحال ، وأخبرني إنه أعطاه مسكراً وحبوب مقوية ، وربما أفرط في أستعمالها ، فمددناه مكانه ، وغسلناه بالماء من كل صوب وكأنه بهيمة ! ، ثم لففناه ووضعناه على سريره كميت بالكفن، واللعاب يسيل على خده ورقبته ، ودموعه في عينيه ، لكن بدون بكاء .. حينها خرجت تنهيدة مني دون شعور :  آآه ياربي  !! كم حيواني ذاك المنظر ، وكم بشع وقذر ما عليه صديقي المسكين.

في صباح اليوم التالي قررنا الهروب من وضعنا المزري ، ولم يصدق صاحبي ما حدث له  إلا بعد أن رآى صورته التي التـقطتها الفتاة بالجوال وهي تبكي خوفاً .. فما أن أشعلت السيارة حتى أنطفأت ! وشعرنا إن أحدهم قد عبث بها ، فأكتشفنا إن الشبيبة الجالسين هم السبب ، وهذا نوع أسلوب تخويف ومعارضة لما يجري ببيت العجوز ، ومضايقة لزبائنه ، فأرسلنا السيارة على شاحنة إلي بلادنا ، ورجعنا بحافلة متواضعة لنفاذ أموالنا بعد صرفها على الحرام ، فكان النصف يوم كالشهر ، وما أن رأيت زوجتي حتى رأيت الحياة من جديد ، فكم هي جميلة كالحورية ! فأغتسلت وصليت ركعتين توبة نصوحة لوجه الله ، وقد تذوقت كم لذيذ هو العيش الحلال ، وما زالت تلك الذكرى الخبيثة درس لاينسى  ، وكيف كانت سهرة عشاء قذرة مع الشيطان .

روائي وباحث اجتماعي