إلى صاحب السعادة


 

 

 


هل تأثير المرء في غيره من الناس, سلطة خاصة يحرزها القلة الأفذاذ من البشر؟ أم هو نتاج قوى سرية خفيّة يقوم المرء بتفعيلها وتعزيزها بالمران بمعزل عمّن حوله ؟

الحقيقة هي : إن التأثير في الآخرين ظاهرة عامة وشاملة, يمكن أن تظهر في حياة كل فرد من أفراد الإنسانية, فلا يختص به أحد, ولا يتميز به شخص دون آخر، لأنه ينبع دوماً من "النفسية الفردية" فهو كالفكر نفسه الذي يصدر عنه، وكل امرئ منا يؤثر فيمن حوله عن وعي، أو عن غير وعي, بواسطة إشعاع خاص يمتد على مسافات تقصر أو تطول حسب الأشخاص والظروف، ولقد أوتي كل شخص منا مغناطيسه الذي يتفرد به عن الآخرين ولو كان توأمه المتماثل, بيْدَ أن هذا المغناطيس يختلف بين كائن وآخر, بما فيه من شدة, واستمرار, وانسجام. 

والتأثير في بيئة العمل لا يخرج عن هذه الدائرة الإنسانية الأزلية، بل بالعكس لربما يكون أكثر عمقاً من التأثير الذي يتم خارجها، لأن الموظف أياً كان موقعه في النسق التنظيمي يقضي نصف عمره تقريباً في بيئة العمل، الأمر الذي يجعلها أكثر روافد تشكيل الشخصية، وإعادة صياغة القناعات والإتجاهات، سواء من خلال التدريب المنهجي المنظم، أو عن طريق الإتصال المباشر، وغير المباشر بين عناصر العمل ذاته .

والسؤال الذي أظن أن يطرحه كل " مدير " يتوق إلى أن يترك أثراً إيجابياً في من حوله بصفته الإدارية والقيادية هو:  من أين تنبثق مظاهر نفوذ قوي وواضح؟ هل من المركز القيادي ذاته ؟ أو من بؤرة السلطة والصلاحيات المخولّة إليه؟ أو من خلال إجادته لإدارة أدوات الضبط والتحكم التي في قبضته ؟ 

تكاد الأبحاث والدراسات النظرية والتجريبية في هذا الصدد تُجمِع على شيء أكيد هو: إن تطبيق الإرشادات الآلية إلى تحصيل النفوذ الشخصي, والمراس المستمر لكل ما من شأنه أن يقوي المغناطيسية, يؤديان دوماً إلى زيادة تأثير الشخص, وتوسيع دائرة نفوذه على الآخرين، حتى على أولئك الذين ليسوا ضمن دائرته القيادية أو الإشرافه .  

ولكن ما العمل إذا كان هناك من أُصيب بالصمم العاطفي، وباتت السلطة إليه مجرّدة من الإحساس بمشاعر من حوله، ومن هم في ذمته الإدارية، وأصبحت ذاته فقط هي المتربعة على سلّم أولوياته، وجميع من حوله ليسوا في نظره إلاّ أدوات يحركها في كل إتجاه حيث تدرُّ مصالحه، بل ويتفنّن في قضم مصالحهم لدرجة أصابته بالتخمة والورم، مستغلاً في ذلك صبرهم وطيب سريرتهم، واتقاءهم لشره !!

لا يا سعادة المدير، من الأفضل أن تعلم بأن الإدارة تكليفٌ وليست تشريف، وأنه يتحتم عليك أن ترضع من حولك ليس لـ "حولين كاملين " بل ما داموا تحت رعايتك، ويستظلون بمظلّة مسئوليتك، واعلم جيداً بأنّ المغناطيسية التي تنشدها لن تحوز عليها، ولن تستثمر تأثيراتها، إلاّ بالإنفكاك من أنانيتك، واستشعار هدير صمت من هم حولك، وكن على يقين بأن الإستحواذ على القلوب ليس بالأمر العسير، ولكنه يستعصي حتماً على من لا يُحسن قراءة " نوتة " أفئدة الناس الذين من حوله، ولا يتلمس احتياجاتهم.

إنّ التأثير الإيجابي  يا صاحب السعادة هو الذي يجعل الأداء مُتقناً، والإنتاجية وفيرة، والصدور منشرحة، والسمعة الكليّة للإدارة برمتها كرائحة المسك تعربد في الطرقات، لأن السلطة  وحدها حتى وإن قويت شوكتها، وعظمت سيطرتها، وانتظمت عقارب ساعتها، دون أن تتدثر ببردة الحس الإنساني، فهي هباء. أرجوك تذكّر ذلك جيداً الآن قبل فوات الأوان إن كنت تسعى إلى توسيع دائرة نفوذك بضمير، وإلاّ فلا . 

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية