إشكالية الحَوَل الإداري ؟

 

 

 

إنّه لمن التجنِّي أن يُعبِّر أحدهم عن سخطه وعدم رضاه عن أحد الموظفين الذين يعملون تحت إشرافه لأنه لا يُحسن أداء واجباته الوظيفية ولا يمكنه الإعتماد عليه ، وهو لم يجربه على الإطلاق أو إنه لا يثق في قدراته ، بل لم يعمل على صقل مهاراته وتعزيز معارفه الوظيفية بأي شكلٍ كان وكأنه ليس المسؤول الأول عن رعايته وتنميته وتطويره .

هذا المدير الذي قد أُصيب بالحول الإداري لا يمكنه أن يعي خطورة هذا الإسلوب الإشرافي الذي يتّبعه ، كما أنه لا يُدرك أو لا يريد أن يُدرك مدى مشاركته السلبية في تقزيم الآخرين من حوله لأنه لا يرى إلاّ ما يريد أن يراه ، ولا يعتمد إلاّ على من يرتاح إليه ويلبي أوامره كيفما إتفق مع هواه .

ليس من المعقول أن نصنع بقرة من الخشب ثم نطالبها بالحليب ، وليس من المنطق أن نُكبِّل الآخرين بالعجز ثم ننتظر منهم الحركة . هناك من الرؤساء من يعتمد على موظف بعينه وكأن الآخرين لا وجود لهم ، وربما لسان الحال يقول لا حاجة لهم وكأنه " ليس في هالبلد إلاّ هالولد " وهذا فيه إجحاف كبير للمرؤوسين ، كما أنه يتسبب في ضمور المهارات ، ويشيع حالة من الحسد المقيت بين زملاء العمل .

لا إعتراض على إعتماد " السيد الرئيس " على موظف بعينه  في مهمة ما ربما لا يجيدها إلاّ هذا الموظف فقط ، ولكن تركيز الإعتماد الكلي والمطلق على ذلك الموظف دون الباقين من مفردات بيئة العمل يجانب العدالة ، ويتنافى مع مبدأ المساواة في إتاحة الفرص ، كما أنه يضرب في مقتل سياسة تدوير الخبرات الوظيفية، لا سيما إذا ما تصادف ذلك مع ميول بعض الموظفين إلى البروز المَرَضي، وسيطرة ثقافة الإستحواذ على فكرهم ، ورغبتهم الجامحة في إنتزاع جميع المهمات الوظيفية حتى لو تسبب ذلك في تلف أعصابهم واستنزاف طاقتهم !!

من المهم بمكان أن يمنح الرئيس ثقته لجميع مرؤوسيه مالم يصدر من أحدهم ما يستوجب حجب الثقة عنه " لا سمح الله " وذلك بدلاً من تركيزها في موظف بعينه، فهذه الثقة تزيد الموظف تحفيزا وقدرة على أداء المهام الموكلة إليه، وتجعله يبذل المزيد نظير ما أُعطيَ من مكانة - إن شاء الله مستحقة - فيعمل بجد واجتهاد يوصلان إدارته أو جهته للمكانة المرموقة بين الإدارات سواء في نطاق الجهة التي يعمل فيها أو الجهات الأخرى المماثلة . 

قد لا يُلام " المدير " عندما يعتمد في تسيير أمور إدارته على هذا الموظف أو ذاك ، لأن هناك بعض الموظفين الذين فقدوا الحماس واستعذبوا البقاء في منطقة الراحة وباتوا حاضرين ولكن بلا حضور أو تأثير ، وأعطوا إنطباعاً للرئيس بأن لا فائدة منهم ولا يُرجى من ورائهم أدنى إنتاج ، بل أصبحوا يشكلون عبئاً على الإدارة التي يعملون فيها ، وما هم إلاّ تكملة عدد وليس لهم أي تأثير يُذكر في ميزان الأعمال الإدارية والعملية الإنتاجية على الإطلاق.

ولكن في المقابل ليس من المُستحسن أن يُترك هؤلاء على مزاجهم تحت مبرر أن هناك من يمكن الإعتماد عليه ويجيد أداء الكثير من إختصاصات الإدارة ، ولا داعي لأن يزعج الرئيس نفسه في تطويرهم وتغيير نظرتهم السلبية إلى أنفسهم ، لأن ذلك السلوك الإداري يؤدي بالضرورة إلى زعزعة الشعور بالرضا في نفوس أولئك الموظفين المخلصين والمتميزين ، كما أنه يُساهم بصورة أو بأُخرى في تكريس حالة من تركيز الخبرة الإدارية والمهارة الإنتاجية في فئة من الموظفين دون سواهم ، ويكشف عن عورة الإدارة عندما ينفك من تم الإعتماد عليه من الخدمة لسبب أو لآخر ولا يوجد من يقوم بعمله بنفس الكفاءة ، فيا أيها المدراء إنتبهوا، ويا أيها الموظفون الغافلون عن أنفسكم أفيقوا .

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية