أرامكو والصندوق الأسود

 

 

 


كتب الناقد محمد العباس مقالا بعنوان: أرامكو: المروية التي لم .. وربما تكتب. تساءل فيه عن سبب امتناع بعض من تولّوا مراكز قيادية في الشركة من أبناء الشركة عن تقديم خبراتهم من خلال مرويات أو دراسات أو مذكرات. وعن عدم إقدام الشركة ذاتها حتى اليوم على التفكير في عرض تاريخ أرامكو من وجهة نظر عربية.

وهكذا يتدحرج السؤال ليلامس أولئك الذين لم يفكروا بعد تقاعدهم في سرد حكاياتهم مع أرامكو، كما فعل الغربيون. خصوصاً أن أغلب أولئك، كما تُفصح سيرهم على درجة من الكفاءة المهنية والكتابية.

كما ذكر محاولة تعود إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حين أوكلت (أرامكو) لعميد كُتاب الغرب (والاس ستيغنر)، الحائز على جائزة البوليتزر، مهمة كتابة تاريخها على خلفية قصة اكتشاف النفط في المنطقة. إلا أن هذا الكتاب لم يظهر نتيجة اختلاف الكاتب مع الشركة حول فصول أريد لها ألاّ تُنشر للعامة.

أرامكو هي الشركة الأكثر تأثيرا في محيطها على مستوى الوطن، من خلال احتكارها لأهم قطاع إنتاجي فيه، وهو قطاع النفط والغاز، احتكار من المهد إلى اللحد، من استكشاف وتنقيب واستخراج ونقل وتصدير؛ باختصار: احتكار المورد الأساس للاقتصاد وعملية التنمية. ومع كل ذلك تبقى داخل صندوقها الأسود خارج الشفافية والمحاسبة.

لقد كشف كتاب ( الحركة الوطنية السعودية ) للسيد علي باقر العوامي، أن أرامكو كانت حاضرة بكل قوة في الأحداث السياسية التي يغطيها الكتاب من 1953 إلى 1973 م، برغم أن السيد العوامي لم يكن موظفا في أرامكو، ولكنه كان شاهدا على العصر. ولكن كتابه يعتبر مؤشرا على حجم التاريخ الذي لم يُكتب عن هذه الشركة، بما لها وما عليها.

فضيحة اعتراف شركة تايكو انترناشيونال لوزارة العدل الأمريكية وهيئة الأوراق المالية بأنها قدمت رشوة لموظفين في شركة أرامكو السعودية للحصول على عقود لشراء معدات من الشركة الأمريكية، كان يمكن أن تكون فرصة للمراجعة والولوج إلى عالم الشركة لكشف حجم الفساد الذي ظهر والذي لم يظهر، وإشهار المفسدين ومحاسبتهم، ولكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن.

يقول عبد العزيز الدخيل في مقاله المميز (أرامكو والفساد .. أول الغيث قطرة ): أن يوضع مصير الأمة الاقتصادي ومستقبلها في يد وزارة وشركة فإن ذلك أمر فيه مخاطرة كبيرة بمصالح الأمة. أنا لا أستطيع أن أتهم أحداً كما فعلت وزارة العدل وهيئة الأوراق المالية الأمريكية، فليس لدي معلومات تؤهلني لمثل هذا الادعاء ولكنني أستطيع القول استقراءً للتاريخ بشكل عام وتاريخ شركات البترول الحكومية بشكل خاص أنه عندما تجتمع السلطة المالية والتنفيذية في يد والاحتكار وضعف الرقابة المالية في اليد الأخرى، يكون ما بينهما أرض خصبة للفساد.

أرامكو كانت دائما فوق المحاسبة، والدليل على ذلك ما يعرف بمحجوزات أرامكو، أي الأراضي التي وضعت يدها عليها، وتسببت في ارتفاع أسعار العقار في المنطقة الشرقية بشكل جنوني، دون أن تساهم في أي حل معقول، فكأنها تعاقب الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة البترولية. لماذا لا تمنح تعويضات مجزية لأصحاب المحجوزات، ولماذا لا تقوم بإنشاء مخططات سكنية بديلة؟

أرامكو كانت دائما فوق المحاسبة، والدليل على ذلك أنها لم تخضع للمساءلة حول التأثيرات السلبية لعملياتها على بيئة وإنسان المنطقة. وقد أشار عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله خلال ترؤسه ( ندوة المانجروف والثروات البحرية الساحلية ) إلى أن مصانع أرامكو التي أنشئت عام 1941م تنفث سحبًا سوداء وسمومًا على البيئة المحيطة دون أن تعمل الشركة على توفير تقنية تحمي الإنسان والطبيعة من آثارها وسموم مصانعها المدمرة التي تعرض أشجار المانجروف والثروات البحرية الساحلية إلى الانقراض.

إن مساهمة أرامكو في تنمية المنطقة التي تعمل فيها تعتبر متواضعة جدا. فالمنطقة هي الأعلى على مستوى المملكة في نسبة المصابين بالسرطان، ومما لا شك فيه أن للتلوث البيئي دورا في ذلك، فلماذا لم تقم أرامكو بإنشاء مستشفى لهذا المرض بالمنطقة، ومركز أبحاث أيضا؟

أرامكو فوق المحاسبة، والدليل الرسالة التالية التي نشرها الدكتور محمد حامد الغامدي، في مقال له بعنوان: أرامكو في ظل سعوديتها.. ما الحل؟! الرسالة بعثها أحدهم له، يقول فيها: «مهندس.. أعمل مع أرامكو منذ أكثر من ثلاث سنوات.. عن طريق نظام التعاقد (المقاولين).. هذا النظام الظالم.. نظام يستفيد منه التّاجر.. صاحب شركة المقاولات.. وهو باختصار.. يقوم المقاول بعرض شهادات الشاب السعودي.. على أرامكو.. وتعمل معه أرامكو مقابلة.. وإذا عدّى المقابلة.. وقع العقد مع المقاول.. وبدأ العمل مع أرامكو.. مكان العمل واحد.. وطبيعة العمل واحدة.. وليس هناك فرق إلا في لون البطاقة.. وطبعاً الراتب.. والمميّزات المالية؛ لأنهم يدفعون للمقاول.. وهو يأخذ ثلاثة أرباع.. ويعطي الموظف السعودي المسكين الربع.. الآن اعمل كمهندس.. ومسمّى وظيفتي مساعد مهندس بمميزات أقل.. هذا بعض معاناتي.. وغيري كثير من الشباب السعودي مثل حالتي».

لماذا لا يتم مساءلة هذا النظام الظالم في أرامكو؟! وهو نظام بدأت تأخذ به العديد من الشركات والمؤسسات الكبرى عندنا، وللأسف الشديد، بحجة التركيز على عملها الرئيسي فقط.
إننا نعيش عصر الشفافية، وبالتالي فمن غير الصحيح استمرار بقاء أرامكو في صندوقها الأسود الذي لم يُفتح بعد.

شاعر وأديب