عن أي ديمقراطية نتحدث؟

 

 

 

من المهم جدا تحديد المصطلحات عند الحديث عن موضوع ما، خصوصا إذا كان المفهوم محل البحث ملتبسا، وكل طرف يدعي الانتساب إليه، كما في مفهوم الديمقراطية التي كثر المتغنون بها والمدعون احتضانها وتطبيقها.

 مرت الديمقراطية بمراحل تاريخية عديدة تطور خلالها المفهوم تطورا كبيرا حتى وصل إلى ما يسمى اليوم بالديمقراطية الليبرالية التي تعتبر النسخة الأحدث في وقتنا الراهن. ولذا فإننا سنتحدث عن هذا المفهوم بالتحديد وما يعنيه في الخارج.

الديمقراطية الليبرالية ذات شقين؛ الأول وهو الديمقراطية الذي يعني شكلا من أشكال الحكم يقوم أساسا على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية، أما الثاني (الليبرالية) فهو وصف إضافي هدفه تقييد حكم الأغلبية لحماية حقوق الأفراد والأقليات وحرياتهم، حتى لا يتحول حكم الأكثرية إلى استبداد من نوع جديد.

قامت النظم الديمقراطية الليبرالية على عدة أسس:

أولها: التعددية السياسية التي تتمثل في تعدد الأحزاب السياسية، وتداول السلطة بينها، ومن ثم إمكانية التغيير السلمي للحكم.

وثانيها: إن القرار السياسي هو ثمرة التفاعل بين كل القوى السياسية ذات العلاقة بالموضوع ويقوم على المساومة بين هذه القوى والوصول إلى حل وسط.

وثالثها: احترام مبدأ الأغلبية كأسلوب لاتخاذ القرار الحاسم.

ورابعها: المساواة السياسية التي تتمثل أساسا في إعطاء صوت واحد لكل مواطن.

وخامسها: مفهوم الدولة القانونية، وأهم عناصرها وجود دستور، والفصل بين السلطات وخضوع الحكام للقانون، وانفصال الدولة عن شخص حاكمها. (من كتاب الشورى والديمقراطية. د/ محسن باقر الموسوي).

إذن الديمقراطية ترى أن مصدر شرعية السلطة هو الشعب، وما تقرره أغلبيته من خلال أصواتها الانتخابية أو الاقتراعية، كما تكفل حق التصويت لجميع المواطنين على قدم المساواة دون تمييز من جنس أو عرق أو دين أو مذهب أو لغة أو لون أو غيرها، مع المحافظة على الحقوق المدنية والحريات الأساسية (حرية الاعتقاد، الحرية الشخصية، حرية التملك، حرية التعبير).

الديمقراطية أيضا تقوم على مبدأ عدم تمركز القوة عند جهة معينة منعا من تطورها لاحقا إلى حالة استبدادية، ولذا فإن وجود سلطات ثلاث (تشريعية وتنفيذية وقضائية) مع الفصل بينها ضروري لإيجاد حالة التوازن ومراقبة الأداء. ولأنه لا يمكن للشعب كله أن يمارس الحياة السياسية، تأتي المجالس البرلمانية المنتخبة لتكون ممثلا عن الشعب في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشعب كمجموع، وبما يتماشى مع الدستور الذي أقره الشعب نفسه.

سيادة القانون هو مبدأ ديمقراطي آخر، حيث لا أحد فوق القانون أيا كان موقعه. فالجميع مطلوب منه احترام القانون والالتزام به، وإلا فإنه سيكون عرضة للنقد والمساءلة.

جدير بالذكر أن هناك شكلين من أشكال الحكم الديمقراطي:

الأول: الديمقراطية المباشرة: وتمثل النظام الذي يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها من دون توسيط نواب. وهو شكل نادر تمثله سويسرا حاليا.

الثاني: وهو الشائع، الديمقراطية النيابية: حيث ينتخب الشعب نوابه الذين يصوتون عنه على القرارات والتشريعات.

إن هذا التحديد لمصطلح الديمقراطية سيساعد على النقاش لاحقا حولها تأييدا أو معارضة لكل أسسها أو بعضها، حتى لا نختلف أو نتفق على مفهوم غير محدد المعالم.

شاعر وأديب