السياسيون و التراث


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على اعدائهم وظالمي شيعتهم الى قيام يوم الدين .
تحقيق التراث بما يشمل الروايات المعصومة والتاريخ عملية لم تتوقف ولم تنقطع في الاوساط العلمية الامامية .

فقد بدأت عملية الغربلة لهذا التراث  منذ العصر النبوي حين حذر النبي صلى الله عليه وآله من الكذابة عليه في حياته وبعد مماته ، ومرورا بعصر الأئمة عليهم السلام الذين اكدوا على ضرورة التبيّن والتحقيق في تراثهم واضعين جملة مقاييس لذلك ، ومن ابرز النتاجات التي تؤكد استمرارية التحقيق والغربلة وعدم انقطاعها الاصول الاربعمائة الحديثية التي دونها مصنفوها بعد عملية تحقيق وتنقيح ، واستمرت عملية التنقيح في اوساطنا العلمية حتى تفتقت لنا الحوزة العلمية عن علماء ساهمو بقوة في تطوير مناهج التحقيق للتراث ، منها التقسيم الرباعي لأحاديث الآحاد والتصانيف الغزيرة في تعديل وتجريح الرجال ومباني التصحيح من الوثاقة او الوثوق وغيرها من الاسس والمناهج التحقيقية ووصولا الى عصر الكتب الاربعة التي صنفها علمائها بعد جهد جهيد من التحقيق ، واستمرت تلك العملية من التحقيقات ولا زال جهابذة العلم في حوزاتنا العلمية وعلى كرسي بحوثهم الخارج وتصانيفهم منذ القدم  يواصلون مسيرة التنقيح والتحقيق في هذا التراث حتى عصرنا الراهن ، ولن تتوقف هذه المسيرة التحقيقية والتي تعد بمثابة حياة لكل وسط علمي .

فما يرمي به بعض القاصرين في الاطلاع من المثقفين او بعض المتحاملين والمغرضين حوزاتنا العلمية بعلمائها بعدم التصدي لعملية تنقيح وتحقيق التراث ودعوى سكونهم اليها ، او عدم جرأتهم على ذلك انما محض وهم وافتراء لا واقع له .

نعم حينما تجد الحوزة العلمية عبث الساسة في التحقيق العلمي بما يوافق مشتهياتها حينها ستقرع جرس الخطر والانذار أمام تلك المحاولات للمساس باستقلاليتها ونزاهتها العلمية ، لما عهد من غابر الازمان حساسية الحوزة العلمية بعلمائها تجاه تدخل الساسة في شؤونها ، الامر الذي يروه تهديدا لحركتهم العلمية ونزاهتها .

خاصة اذا ما اطلعنا على شريط  من التجربة التاريخية للتراث مع الساسة وكيف انتجت واقعا كارثيا ومتناقضا في الامة ، بدءا من منع الساسة تدوين الناس الحديث النبوي بعد رحيله صلى الله عليه وآله ومرورا بتدخل معاوية والحكام الامويين بمنع الرواية في فضائل علي عليه السلام واختلاق الروايات الجمة المساندة لمشروع التسلط الاموي في الامة ، وانتهاء بتوظيف طابور عريض من العلماء لخدمة الاجندات السياسية للدول المتتابعة على الامة ، وحتى عصرنا الراهن ، ليطوعو التراث والروايات ويخدموا بتحقيقاتهم وفتاواهم مآرب السلطة السياسية .

استعادة هذا الشريط سيفسر لنا ردة الفعل الحوزوية الصارمة والشديدة تجاه عبث السياسيين في عملية تحقيق التراث والبحوث العلمية لعلمهم بما سيؤول اليه الواقع العلمي .

ان تدخل الاغراض السياسية في عملية التحقيقات العلمية يخل بالمنهجية العلمية ذاتها في عملية التحقيق ، ولذا وجدنا كيف سقط بعض الباحثين المتأخرين منهجيا حتى التيه عندما جعل بحوثه العقدية والتاريخية تحت ضغط نظرة الآخر المخالف له مذهبيا او دينيا ، اذ حينها سيخل بالحيادية العلمية مما يجعله يطوّع ا لتراث بأجمعه  بما يخدم موافقة الآخر واسترضائه ، وهذا ماجعل بعض تلك البحوث والتحقيقات تبدو هزيلة من الناحية العلمية الرصينة ، هذا على مستوى المنهجية العلمية .

اما على مستوى التوظيف السياسي ، فلا يخفى على الجميع أن في الاوساط العلمية الحوزية من يعتبر غرضا سهلا للسياسيين يوظفوه لأغرضهم ، سواء الانظمة السياسية او اصحاب المشاريع السياسية ، فسذاجة هذا العالم السياسية او ذاك جعلت منه – وبدون ان يشعر – موظفا في الماكينة السياسية لهذا التيار السياسي او ذاك ، او لهذا النظام السياسي او ذاك .

وفي سياق التوظيف السياسي للبحوث العلمية والانتهازية السياسية ، تأتي استضافة بعض اصحاب المشاريع والاجندات السياسية لبحوث علمية في التراث وغيرها ، اذ لا يخلو ذلك من استهدافات سياسية غير مخلصة للعلم والتحقيق بقدر ما هي مخلصة للمشروع السياسي ، فهي تنظم ذلك انتصارا لمشروعها السياسي ، او تحميلاا للتراث مسؤولية اخفاقاته ، او تحريكا لحجر التوازنات في السلطة الاجتماعية ، او غيرها من الاستهدافات .