العمل الإصلاحي من واقع الانتظار

 

يواجه العالم اليوم تحديات جمة في جميع المجالات جعلته ينتقل من حالة السلام إلى الاحتراب والاقتتال فيما بين البشر من خلال فتك القوى العظمى عسكرياً واقتصادياً والتي انعكست آثارها على الشعوب في اتساع رقعة الفقر وانتشار الأمراض والأوبئة. كما كان لازدياد الظلم من قبل بعض الدول على شعوبها وظلم أفراد العائلة الواحدة والمجتمع لبعضهم البعض وغياب الحقوق الإنسانية دوراً في الإخلال بنظام الكون.

فنشرات الأخبار أصبحت مليئة بالفظائع والقسوة في العلاقة بين المكونات البشرية، فلا تجد إلا كل ما هو سلبي في الصدارة وكأن العالم انسلخ من إنسانيته وقيمه وافتقر لمصلحين يؤدون دور الإصلاح والتغيير وإشاعة مفاهيم العدالة والتسامح في العالم.

وبما تعيشه الأمة هذه الأيام من الاحتفاء بميلاد القائد القادم الذي يرفع البؤس والشقاء عن شعوب العالم ويُحق العدل ويشيع السلام في شتى مناحي الحياة، فإنها فرصة لجميع المضطهدين والمحرومين لاستشعار الأمل وترقب المساواة بين أبناء العالم... أمل ينبغي أن يلازمه حراك في الدوائر والمجتمعات التي تتطلب تحرك ممن يعيشون في حدودها من أجل الخلاص من الحاكمية الفردية التي عطلت التشريعات الإلهية المحققة لسعادة الإنسان.

فالمسلمون يعتقدون بالإمام المهدي المنتظر وأنه يخرج آخر الزمان بعد أن تتنامى الانتهاكات لما جاءت به الرسالات السماوية العادلة وازدياد ذلك بشكل غير خفي على أحد ليملأ الأرض بالعدل الإلهي وتحقيق السلام العالمي والقضاء على كافة أشكال التمييز والقهر في أدنى بقعة من بقاع الأرض، فتكون حكومته امتداد للحكومة الإسلامية العادلة التي وضع ملامحها وسار عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله - وجده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - الذي لم يوجد فقير واحد في عهد حكومته من المسلمين والمسيحيين وغيرهم، فيعيش الناس بظهور الإمام المهدي المنتظر أمة واحدة ويدين الناس بالإسلام في كل الكرة الأرضية ويسود العالم الوئام والمحبة والاستقرار.

إن حالة الانتظار التي تعيشها الأمة لا تعني التغاضي عن الحق والقبول بالظلم الواقع على الفرد والمجتمع، بل هي مدعاة للتغيير والإصلاح بالعمل والكلمة وتأصيل ثقافة الصمود في مواجهة التحديات والمتغيرات والانتصار للحق وإعلاء صرخة الحقوق.

 فالانتظار يتطلب إعداد المقدمات وشحذ الهمم والعمل الدؤوب لكي يأخذ الإنسان دوره الطبيعي في معترك الحياة ويحول الأزمات التي تمر بها أي منطقة من العالم إلى ثورات ومسالك إصلاحية تعكس حالة الأمة الإسلامية في التكيف مع الأحداث وتحويلها لصالحها.

المشكلة التي يعيشها الكثيرون هي التواكل على الغير وبكاء التماسيح وندب الحال دون أن يبارح أحدهم مكانة لتشخيص مسببات الأوضاع ليعملوا وبشكل جمعي على التصدي للأخطاء المتجهة نحو التفاقم نتيجة الإغضاء عنها أو التقليل من آثارها.

 فليس من الصحيح أن يرغب فرد من الأفراد أو جماعة أو طائفة بالحصول على حق من الحقوق دون أن يجتهدوا في المطالبة به والإصرار على تحصيله، وعصر الغيبة أصّل مفردات الإصلاح وعدم الرضا بالمظلوميات والقبول بالتعددية في القيادة حيث كان مثالها البارز من ينوبون عن الإمام الغائب في هذا العصر من الفقهاء.

إن حركة المهدي المنتظر حركة إنسانية كبرى قائمة على الإصلاح وإعادة العزة والكرامة للبشرية كافة، وليست حركة دموية مرعبة قائمة على الغلظة في التعامل كما صورتها بعض المنقولات التاريخية الموضوعة التي قد تكون محاولة لبث اليأس والخوف والتقاعس في نفوس المنتظرين، بل هي حركة تغييريه تتسم فيها الإدارة بالحزم مع مسئولي الحكومة واللين مع المحكومين لتحقيق العدالة والمساواة والعيش الرغيد، فقد ورد عن رسول الله في وصفه للمهدي المنتظر: المهدي جواد المال، رحيم بالمساكين، شديد على العمال.

فمتى ما عرف مجتمع من المجتمعات واجباته وحقوقه وأشاع المفاهيم الإنسانية التي تلامس حاجات الناس وعمل على تأصيلها من خلال التعريف بالمتصدين لتحقيقها وعمل بها، استطاع وبكل ثقة أن يتجاوز بمجتمعه ووطنه حالة الركود إلى حالة العمل والتجديد في المفاهيم والثقافات وترسيخ القيم وقبول كافة التواقين لها.