الظلامة التاريخية للإمام الحسن المجتبى (ع)

 

الإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام من أشد الأئمة عليهم السلام تعرضا للظلم التاريخي الممنهج من قبل الحقد الأموي ؛ وعلينا جميعا المشاركة بما نستطيع لرفع هذه الظلامة عن سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

أن أخذ نظرة خاطفة وسريعة على ترجمة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مصادر العامة التاريخية كافية لإثبات هذه الظلامة في حق مولانا الإمام الحسن عليه السلام , والتي يراد منها تشويه شخصية الإمام روحي فداه والتنقيص من مكانته , في محاولة من الطرف الأموي الحاقد لإبعاد المسلمين عن الالتفاف حوله والحط من قيمته ومكانته لديهم , وبالتالي التشكيك في المقامات والرتب العالية التي منحها الله إياه عبر الأحاديث النبوية الشريفة , وهدم القدوة الصالحة والنموذج الأكمل في المجتمع الإسلامي , حتى يصبح من السهل على الآخذ بهذه الأكاذيب والأباطيل المساواة بين فضل الحسن المجتبى و معاوية !؟ و إن لا تمايز ولا تفاضل بينهما !! .

من هنا نرى ضرورة البحث الجاد في مثل هذا الموضوع لعرض سيرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في كتب المسلمين خاليةً من هذه الأكاذيب ودفع الالتباس ورفع الشبهة حول شخصيته الشريفة المباركة , وذلك لما تحتويه من خطورة حيث إنها تعرض بشكل مهذب وأنيق , محفوفة بالتبريرات لتكون سهلة القبول لدى أوساط الشباب المسلم خصوصاً الشيعة .

وهذا ما دعانا لكتابة هذا المقال لبيان شناعة وسخافة هذه الدعاوى في حق مولانا أبي محمد الحسن عليه السلام , والتحذير منها وعدم قبول ما يعرض من تبريرات حولها حتى ولو كان من صوت أو قلم شيعي مع الأسف , وسأحاول إن شاء الله تعالى و ببركة الإمام المجتبى عليه السلام في هذه السطور القليلة عرض نماذج من الظلامة التاريخية للإمام عليه السلام , نذكرها تباعاً ومن الله العون والتوفيق .

• الصلح الحسني تنازل و تخاذل ؟! .

صلح الإمام الحسن عليه السلام من القضايا التاريخية الهامة في تاريخ الإسلام , وهي من القضايا التي يحوطها الكثير من الغموض , ما أدى لكثرة تفسيرها , وكثرة الآراء حولها , و تعدد الأقوال فيها , حتى في زمن حدوث الصلح الجهادي للإمام الحسن عليه السلام , حيث قابله البعض بالاعتراض والبعض الآخر بالحيرة في أمر الصلح , وامتدت هذه الحيرة حتى في زماننا هذا , وتكمن ظلامة الإمام الحسن عليه السلام في هذه النقطة بالتفسير الخاطئ والمتعمد لهذا الصلح , من خلال الإصرار على تصوير الصلح أنه "تنازل" الإمام الحسن عليه السلام عن مقام الخلافة إلى معاوية وأن الإمام لا يرى أي محذور من تسلم معاوية لهذا المقام , وإظهار الإمام بمظهر المتخاذل الكاره للحرب والجهاد وأنه ميال محب للراحة والدعة , حتى أدعى بعضهم أنه كان يدبر أمر الصلح "التنازل كما يفسروه" قبل مسيره لحرب معاوية , وأنه كان كارهاً للملك ؟!.

وقد وقف علمائنا الأبرار في مقابل هذا التفسير المزيف للصلح وسطروا الكتب في الرد على هذا الانحراف في فهم الصلح وبيان الأسباب التي دعت الإمام عليه السلام لإمضاء الصلح , وانه كان مشروعاً ذو خطوات طويلة للإصلاح فكان الصلح حجر الأساس لهذا المشروع الهادف لبيان حقيقة معاوية والمنهج الأموي , ومن خير المراجع في بيان مشروع الصلح الحسني كتاب : صلح الإمام الحسن للعلامة الشيخ راضي آل ياسين , وحياة الإمام الحسن للعلامة المحقق باقر شريف القرشي وعسرها من الأبحاث الكثير, وقد وفقنا الله عز وجل لبحث هذه القضية في بحث مفصل بعنوان : "الجهاد المجهول صلح الإمام الحسن" , فندعوكم لقراءة هذه المصادر ومراجعتها لتتضح الصورة أمامكم حول هذا الجانب الهام من حياة الإمام عليه السلام .

• الحسن مذواق مطلاق ؟!

من المحاولات الوقحة لتشويه صورة الإمام الحسن عليه السلام والنيل من شخصيته و مكانته العظيمة , تصويره بأنه كان كثير الزواج كثير الطلاق , وأن النساء شغله الشاغل , حتى تمادوا ونسبوا للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث في النهي عن تزويج الإمام الحسن عليه السلام بعلة انه "مذواق مطلاق" كما يرويه : ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 13 ص 349 , وابن كثير  البداية والنهاية ج11 ص 197 والذهبي في سير أعلام النبلاء ج1 ص 1429. وللأسف الشديد فقد وجدت مثل هذه الدعوى في كتبنا الحديثية كفروع الكافي للشيخ الكليني والوسائل للحر العاملي , وغيرها من المصادر .

وقد يتعجب القارئ من إيجاد المبررات لإثبات هذه التهمة على الإمام عليه السلام , كما نجده عند الكاتب المصري "محمد رضا" في كتابه الحسن والحسين ص 37, حيث أجهد نفسه كثيراً في إثبات ذلك حتى تعجب منه محقق كتابه !؟ . وتهدف هذه الشبهة للتنقيص من مكانة الإمام المجتبى عليه السلام ومحاولة إثبات عدم أهليته للخلافة وقيادة الأمة مما يوجد مبرر لمن يرى الصلح بعين "التنازل والتخاذل" أهلية معاوية لهذا المنصب عن الإمام الحسن عليه السلام .

ولم يتفق منظري هذه التهمة على عدد أزواجه فقد ذكروا أنهم 50 – 70 – 90 – 100 – 250 – 300 امرأة , وقد أنبرى لدفع هذه التهمة السيد عبد الله العلي في مؤلفه القيم "تأملات تاريخية" فأجاد البيان و أبدع في الرد , فراجعه عزيزي القارئ إن استطعت وكذلك كتاب : القول الحسن في عدد زوجات الإمام الحسن للشيخ وسلم البلداوي , وفي محاولة منا لبيان مدى خرافية هذه التهمة نقول : ان زمن صدور هذه الاحاديث في عهد الإمام علي عليه السلام , وقد عاش الإمام الحسن في زمن ابيه 38 سنة , واذا افترضنا ان اول زواج للإمام الحسن كان و عمره 15 عاماً فتكون السنوات التي تم فيها هذا العدد الخيالي من الزوجات الكثيرة 23 سنة , و إذا افترضنا أن عدد زوجاته 90 زوجة وهو متوسط ما ذكروه من عدد زوجاته , فبقسمة 90 زوجة على 23 سنة يكون الناتج 4 زوجات لكل سنة , أي زوجة كل 3 أشهر , وهذا لا يعقل , فلم يحدثنا التاريخ برجل له زوجة كل ثلاثة أشهر حتى من هم مصابين بمرض "هوس النساء " وهو الولع الشديد بالنساء والرغبة الشديدة في مضاجعتهن , فكيف بسبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة , وهو من أثبت التاريخ أنه حج ماشياً خمسة وعشرين حجة كما في البداية والنهاية لأبن الاثير والذهبي في سير اعلام النبلاء , وكان أعبد أهل زمانه وشديد الانقطاع إلى الله عز و جل , عابد ساجد في ليله , صائم في نهاره , متفرغ لنشر سنة جده وبيان أحكام شريعته في مسجده المشرف , شغله قضاء حوائج الناس وإعانتهم على أمر دنياهم كما ذكر الرواة انه قاسم الله ماله ثلاث مرات , من هنا يتضح جلياً مدى بشاعة هذه التهمة في حق الإمام عليه السلام و وضوح كذبها وتدليسها .

• الحسن و معارضة المنهج العلوي ؟!

ذكر مجموعة من كتاب التاريخ أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان معارضاً لمنهج أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وسياسته , وإنه كان يرى خلاف ما يرى أبيه في ثورة الصحابة ضد عثمان وحصاره , وموقفه وحروبه في الجمل ومن خرج عليه –عائشة وطلحة والزبير- , وإن أمير المؤمنين عليه السلام كان يتعمد تجاهل مشورة أبنه الحسن عليه السلام ويعمل على خلافه , هذا ملخص هذه الظلامة التي ذكرها : الذهبي في سير اعلام النبلاء (ج1 – ص 1431) , وطه حسين في كتابه علي وبنوه (ج2 – ص 176) , حتى قالوا أن الإمام الحسن "كان يسمع أباه ما لا يحب" من شدة معارضته له وعدم موافقته .

كما ذكروا أن الإمام الحسن عليه السلام كان شديداً في التعامل مع أخيه الحسين عليه السلام , وأنه كان لا يقبل مشورته ورأيه أيضاً , وحين عارض الإمام الحسين "كما يزعمون" صلح الحسن هدده الإمام الحسن عليه السلام بالحبس إلى أن يتم الصلح ؟! .

أن مثل هذه الأكاذيب تهدف للطعن في الشخصيتين على حد سواء , شخصية أمير المؤمنين وشخصية السبط الحسن عليهما الصلاة والسلام , لتصل إلى نتيجة مفادها : عدم حقانية وصحة المواقف العلوية تجاه سير الأحداث في ذلك الزمان , والشاهد على ذلك معارضة أبنه له !! , خصوصاً إذا لاحظنا أن ذكر هذه المعارضة الحسنية على حد زعمهم تشتد في موقفين : الأول فتنة عثمان وحصاره , الثاني حرب الجمل , والمتأمل في هذين الموقفين يدرك مدى حاجة أصحابها إلى من يقوي جانبهم من داخل البيت العلوي فأوجدوا كذباً الإمام الحسن عليه السلام بجانب قاعدة "الاجتهاد" التي برروا بها كل معارض للحكم والمنهج العلوي تجاه هذه الاحداث.

• الحسن عثماني الهوى ؟!

ختام هذه النماذج بظلامة الإمام التاريخية , دعوى "عثمانية الإمام الحسن" أي انه كان محباً ميالاً لعثمان بن عفان , وإنه كان مبادراً إلى نصرة عثمان والذب عنه , وقد ذكر هذه الدعوى عدة من المصادر كالذهبي , لكن أبرز من نظر لهذه الدعوى وسطرها بشكل واضح الدكتور طه حسين في كتابه "علي وبنوه" , حيث أورد هذه العبارات : (فكان عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة – وربما غلا في عثمانيته – ولم يفارق الحسن حزنه على عثمان) وغيرها من العبارات التي تشير لهذه الدعوى , وهذه الدعوى في حق الإمام الحسن عليه السلام امتداد للدعوى السابقة (معارضته لأبيه) ولها نفس الاهداف والغايات .

إن المتتبع لمواقف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بأجمعها , يدرك بوضوح شده لأزر أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ودفاعه عن حقه في الخلافة , ودفع حجج خصومه ومناوئيه , وأنه كان العضد الأيمن لأبيه عليه السلام خصوصاً في حرب الجمل التي اندلعت شرارتها طلباً بدم عثمان , فلوا كان عثمانياً لكان في الطرف المقابل لأبيه !؟ , أو لا أقل يعتزل الحرب مع الطرفين كما أعتزلها غيره .

بل إن نرى عكس ذلك تماماً حيث ورد في بعض المصادر إن الإمام الحسن عليه السلام هو ممن شارك في عقر الجمل (عسكر) في المعركة الذي كان يعد راية تلك المعركة ورمزها , أضف إلى ذلك أن القول بعثمانيته يعني قبوله بجميع تصرفات عثمان وأعماله , وذلك مما لا يمكن قبوله في حقه لاعتقادنا بعصمته و إمامته صلوات الله وسلامه عليه . ومن اراد المزيد في دفع هذه الشبهة عليه بمراجعة موسوعة أعلام الهداية (ج4 – ص76) .

هذه بعض من الشبهات والدسائس في سيرة مولانا الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه , التي سطرها التاريخ الأموي في صفحاته ظلماً وعدواناً على الإمام الحسن عليه السلام , والتي وجدت من يصغي ويستمع لها في الوسط الشيعي للأسف ويتبناها ويسرد حولها مجموعة من التبريرات الواهية في محاولة لإثباتها وأنها لا تمس مقام الإمام عليه السلام .

هذا ما أردت بيانه في هذه السطور والتي أرجوا أن أكون قد وفقت في عرضها وبيانها .