المواطن العربي..رؤية من الداخل

 

 

منذ بدء الحراك السياسي في تونس2010 الثامن عشر من ديسمبر  الذي بدأ مع قصة الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في 17 ديسمبر 2010 تعبيرًا عن غضبه  بعد مصادرة العربة التي يبيع عليها و قيام شرطية بصفعه, و حتى يومنا هذا و المواطن العربي يعيش في أسوأ حالاته على كافة الأصعدة.

وفي ما كان يعرف بالربيع العربي , كان الكثير يتبنأ بحدوث تغير في خارطة الفكر العربي, و يصبح أكثر وعيا من السابق و ذلك بعد تخلصه من أقوى سلطتين، الدينية و السياسية, لكن ما الذي جعل المشهد العربي أكثر تشظيا من السابق؟

الإجابة على هكذ سؤال قد تحتاج إلى الغوص في العمق التاريخي و الاجتماعي في العالم العربي, فالعراق كانموذج حيث كان يعاني من دكتاتورية صدام و كانت كل القوى الوطنية السياسية العراقية ضده و مشتتة في مختلف دول العالم و مع ذلك لم تستطع تغيير النظام السياسي إلا من خلال أحداث 9/11, كانت تلك القوى تعيش انقساما في الرؤية السياسية ما قبل إسقاط النظام و إلى يومنا هذا.. حيث لا يزال المواطن العراقي ينتظر الموت في الأسواق, و المساجد, و في الشارع,و الحال ينطبق أيضا مع  مختلف الشعوب العربية التي لا تزال غير قادرة على بناء علاقات على أسس المصلحة العامة, و الغالب من القوى السياسية في العالم العربي مشغولة في المصالح الحزبية أو الدينية الخاصة.

و لأن الذاكرة العربية لا تزال مجمدة , سوف أعود إلى سنوات إلى الوراء حيث عقدت القمة العربية في القاهرة عام 2004 و كان أبرز ما طرحه ممثلو نخبة المجتمع المدني في "مؤتمر قضايا الإصلاح العربي" الذي أقيم بمكتبة الإسكندرية في مصر هو ضرورة الالتزام بقيم الديمقراطية من خلال حكم الشعب نفسه بنفسه، وإرساء نظام التعددية السياسية الذي يسمح بتداول السلطات، وكفالة الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير، ودعم حقوق الإنسان, و الإصلاح الأقتصادي, والإجتماعي , و الثقافي,لكن كل ذلك لم يتعدى حدود المؤتمر و الورق الذي طبعت عليه توصياته.

أمام هذا الواقع العربي و الذي تشير الأحصائيات أن الغالبية منهم هم من الشباب ما دون 25 سنة كما يشير مركز الجزيرة للدراسات, يحتم على القوى الوطنية العربية  الأخذ بمبادرات جادة من أجل ردم الهوة التي تتسع كل يوم إما بسبب الجهل حيث لايزال العالم العربي لم يعالج الأمية بالمفهوم التقليدي, أو بسبب العامل السياسي ذي الصبغة الدينية.
 
 لا يزال المواطن العربي غير قادر على تجسير العلاقات داخل محيطه العربي مع من يختلف معه في الرؤية حول القضايا التي تعتبر من أولويات المواطن كإصلاح التعليم, و الاقتصاد, والسياسة, والمجتمع, و القضايا الدينية على إختلافها و أبرزها الصراع المذهبي, و بينما يستمر في التنظير في قضايا هامشية، نرى المجتمعات الأخرى تجاوزت أغلب هذه القضايا إلى قضايا التنمية المعرفية و العلمية بالرغم من إعترافهم لــحاجة الإصلاح.

و عوضا عن لغة الحوار و بناء جسور المعرفة أصبح شغلنا الشاغل الإهتمام في القضايا الشخصية و إن كان هناك في الإسلام مايعرف بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فهو لا يأتي بالصورة التقليدية التي يمارسها أتباع المذاهب الإسلامية في العصر الحالي.

إن استمرار غياب التجسير و القفز على الواقع يجعل من المجتمعات العربية هشة لا تملك أي بنية معرفية أو علمية , و سوف يكون شغلها الشاغل القضايا الهامشية كالخلافات العقائدية و التاريخية حتى بين أتباع المذهب الواحد. لم أبالغ حنيما قلت أن المجتمع العربي يجري إلى الخلف بينما العالم الآخر يجري إلى الإمام و المسؤلية هنا تقع على جميع النخب و القوى الوطنية في العالم العربي ولا أستثني أحدا.