البيئة الأولى للعقل !

يعتبر العقل من أحسن المخلوقات التي خلقها الله عز وجل، كما في الرواية عن أبي جعفر، وأبي عبد الله «عليهما السلام» قالا: « لما خلق الله العقل قال له أدبر فأدبر، ثم قال له أقبل فأقبل، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك إياك آمر وإياك أنهى وإياك أثيب وإياك أعاقب ».

ويولد الإنسان عادة وقد اودع الله عز وجل في مخه من الخلايا ما يقدر عددها بمائة مليار خلية عصبية، ويقاس درجة الذكاء الطبيعي للإنسان العادي بـ «100» درجة، أما الشخص العبقري يقدر ذكاءه بـ «160» درجة، ومع ذلك فأن الانسان يستخدم من طاقة عقله ما يقارب «4%» مما أودعه الله له من القدرات العقلية، ويستطيع ان ينمي ذكاءه وقدراته من خلال «96%» المودعة في عقله، وله القدرة على ان يطور مهاراته في التفكير والإبداع، ولكي ينمو عقل الإنسان بشكل سليم وصحيح يجب ان يكون في بيئة تساعده على النمو والتطور والإبداع وتعتبر البيئة الاسرية هي النواة الأولى لصنع الأنسان المبدع والعبقري.

وتعتبر الظروف الصعبة والعقبات الكثيرة من أكثر الأمور التي تصنع المبدع الحقيقي فعندما يتعرض لبيئة او لظروف مثبطة يستطيع ان يجد له منفذ بفكره ينطلق به الى عالم الابداع ويسجل له بصمة كبيرة في العلم والمعرفة! فالإنسان عادة ينشأ تحت بيئة معينة فيكتسب منها بعض المعارف والسلوك وحتى الدين فيعبد ما يعبد قومه ويقدس مقدساتهم وتنمو تلقائياً تلك القيم والعادات والتقاليد في نفسه وتندمج في روحه وفكره وسلوكه.

والبعض يبقى مقيد لقيم وعادات مهما بلغ من العلم والمعرفة، فيكون عقله بيئة مناسبة لتكاثر الخرافات والشعوذات التي ورثها من خلال التربية والمجتمع وأعظم ما ابتليت به الأمم هو احتقارها للأشياء الكبيرة والعظيمة كفكرة وجود الله عز وجل، وتعظيمها للأمور الصغيرة والتافهة كعبادة الاصنام او الآلهة الأخرى، ولهذا بعث الانبياء والمرسلين ليثيروا دفائن العقول ويدلوا الناس على الله عز وجل.

ينقل عن الكثير من المشاهير سواءً السياسيين او الفنانين او الرياضيين وغيرهم ترددهم على اصحاب الشعوذة والتنجيم ويتخذوا قراراتهم المصيرية بناءً على كلام اناس لا علم لهم ولا معرفه، كما نقل ان الرئيس الامريكي رونالد ريجان، وزوجته، نانسي، كان لهما علاقة وطيدة بالمنجمين وكان يتخذ كثير من قراراته بناء على آراء اولئك المنجمين.

مع ان البعض يصل الى درجات عالية من العلم والمعرفة ويصل الى مناصب مرموقة ومحترمة لكنه يضل اسيراً لخرافات اكتسبها تتنافى مع ابسط مقومات العقل بسبب كونه مسكوناً بالعادات والتقاليد والطقوس الدينية التي ورثها منذ صغره وتغلغلت في روحه وسيطرت على عقله.

والإنسان المبدع لا يمكن أن يترك عقله يتحول الى كهف للخرافات والخزعبلات لتنمو في عقله، فعندما استشعر الانسان المبدع في داخله الطموح والإصرار استطاع ان يحول هذا العصر الى عصر العلم والتكنلوجيا، ووصل الفضاء مخترقاً كل الحجب التي كانت سداً منيعاً في وجهه طوال تاريخ البشرية.

ولا شك في أن ما يزيد عقل الانسان هو كثرة القراءة والمطالعة والتفكر في خلق الله من سماء وأرض وكواكب ومخلوقات كبيرة كانت أو صغيرة، متحركة او جامدة فهي تدل الانسان على وجود الله عزوجل من جهة وعلى امكانية استثمار عقله وقدراته الهائلة من جهة اخرى، وكثرة التأمل في حركة تلك المخلوقات تفتح لنا الأبواب للوصول الى علم ومعرفة لم نكن لنصل اليها لولا تفكرنا فيها!!

قال الله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» سورة الجاثية 13

وقال تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» ال عمران 191