القطيف.. والواقع الثقافي المعاصر (1)

 

تنتشر المجلات على اختلاف أهدافها بشكل كبير في أنحاء الوطن العربي، فمنها الفني والعام ذا الهدف التجاري ومنها الثقافي والدراساتي المتخصص الذي يهدف لإشاعة فكرة وتأصيلها لدى شريحة مهتمة بموضوع الدراسة والبحث المطروح بعناية وتخصص.

فما إن تجد جهة ما تسير نحو التخصص إلا وتشعر بموقعيتها ودورها في خلق جو علمي أو فكري عام يقوم على تبادل المعرفة والنقد، مشيعة بذلك جواً يتجه نحو البحث والتعمق المستمر في المجتمع الذي تنشط ضمن محيطه.

وبالعودة للحالة الثقافية في منطقة القطيف التي ابتدأنا التعريف بها في المقال السابق، فإنها رغم كل المطبات التي تعترض طريقها إلا أنها في حالة من الاستمرار والإبداع الذي أخذ التخصص  جانباً منها في جوانب شتى كالفنية والفكرية والتاريخية التي أحد الشواهد عليها المجلات التحقيقية والدراساتية المتخصصة في الجانب التراثي والديني والفكر المعاصر.

فبعد ظهور النفط وتطور الحياة المادية، بات تراث منطقة الخليج تحت وطأة المد العمراني والاقتصادي الذي قُضي على جميع معالمه الأثرية في القطيف خاصة. فاكتُسحت بذلك البيوت والأبنية والأسوار الأثرية والمساحات الزراعية الخضراء من نخيل ومزارع كانت المنتج الأساس لمختلف المحاصيل الزراعية وصولاً إلى التعدي على الثروة السمكية ومزارع الأسماك التي طالتها مطامع الإنسان وجرافاته.

ومن هنا كان على المهتمين بالتراث والتاريخ حفظه وتوثيقه للأجيال اللاحقة للتعرف على تاريخ وتراث منطقتهم ودور السابقين في إنعاش اقتصاد البلاد من خلال العديد من المهن التي كانت تمارس بشكل مباشر منهم، كالزراعة والتجارة وصيد الأسماك وسائر المهن الحرفية. وقد كان لآبائنا وأجدادنا الماضين دور أساس في التطور الحضاري والازدهار الاقتصادي الذي شهدته المملكة العربية السعودية من خلال عملهم ضمن شركة أرامكو السعودية في بدايات عملها فيما يتعلق بالشؤون البترولية كافة التي هي عصب اقتصاد المملكة.

وقد تصدى الباحثين والمؤرخين من أبناء المنطقة قديماً وحديثاً للحديث عن المنطقة تاريخياً في كتب مفصلة، كما قام عدد من أبناء القطيف على إصدار وتحرير مجلتين تخصصيتين في ذات الشأن تصدران بشكل مستمر.

فكان لمجلة الواحة ومنذ عقد ونصف تقريبا اهتمام بالغ بشؤون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي تعاضدها في ذلك مجلة الساحل التابعة لمؤسسة الساحل لإحياء التراث الشيعي في الجزيرة العربية والمهتمة بالثقافة والتراث والحفاظ عليه في الخليج والجزيرة العربية.

وتهتم مجلة الواحة بجمع المخطوطات والوثائق الصادرة من المنطقة والواردة إليها في الشؤون الدينية والسياسية والاجتماعية  إضافة لاهتمامها  بالأدب في كافة جوانبه والأبحاث التاريخية المستمرة حول الأحساء والقطيف والبحرين فيما يتصل بالحياة العامة.

كما تهتم بالأحداث التي مرت بها المنطقة قبل وبعد الإسلام والأماكن الشعبية والتراثية والوضع الاقتصادي السائد آنذاك إضافة لاهتمامها بما يصدر من مؤلفات لكتاب المنطقة.

أما مجلة الساحل فتعنى بالمخطوطات والكتب المختصة بتاريخ الشيعة في الجزيرة العربية وأعلامها من العلماء والأدباء والمثقفين في القطيف والأحساء في الماضي والحاضر، فتقوم بالتعريف بهم وسرد ترجماتهم الشخصية وحصر نتاجهم الفكري مع المساهمة بنشر بعض الترجمات في مجلات تخصصية أخرى في العالم العربي.

 وتقوم المجلة بالتحقيق التاريخي عن طريق عدد من المختصين في الكتب والمخطوطات القديمة والعمل على تهيئتها للنشر والاستفادة منها كمصادر يرجع إليها.

وسنكمل في المقال القادم بإذن الله التعريف بالمجلات الدراساتية الصادرة من منطقة القطيف والتي لازالت تقدم عطاءها حتى يومنا هذا.