تهمة الطهارة

جميع الأنظمة المعقدة ، سواء كانت آلة في مصنع أو جهاز كمبيوتر أو بشراً يجب أن تكون متوافقة ومتناغمة . وتعمل أجزاؤها في تناغم ، وأن يساند كل عمل أجزاء منها غيره من الأعمال من أجل الوصول إلى المستوى الأمثل للأداء . وهذا ما يطلق عليه " ماكس ويبر " نظرية ( التكامل والإختلاف ) . فلو حاولت أجزاء الآلة أن يعمل كل منها في اتجاه مختلف ، فإن الآلة ستفقد توازنها وقد ينتهي بها الأمر إلى التعطل . 

والبشر كذلك تماماً . إن بإمكاننا أن نتعلم أن نصدر أكثر أنواع السلوك فاعلية ، ولكن إن كانت أنواع السلوك تلك لا تساند أعمق رغباتنا واحتياجاتنا ، أو كانت تنتهك أموراً أُخرى ، عندئذ ، سوف نعاني من صراع داخلي ، ونفقد الضروري لتحقيق نجاح كبير في حياتنا ، فإذا كان الشخص يحصل على شيئ معين ، إلاّ أنه يريد شيئاً آخر بصورة غير واضحة فإنه لن يكون سعيداً أو راضياً بصورة تامة ، أو إذا حقق إنسان ما هدفه ، إلاّ أنه في سبيل ذلك خالف ما يعتقده بالنسبة لما هو صواب وما هو خطأ ، فسيعمُّه الإضطراب نتيجة لذلك ، ومن أجل أن ننمو ونتطور حقاً ، فإننا يجب أن ندرك ونعي القواعد التي نستخدمها نحن والآخرون لكيفية قياس النجاح أو الفشل والحكم عليهما ، وإلاّ سيكون بإمكاننا الحصول على كل شيئ وكأننا لا نملك أي شيئ ، وهذه هي قوة العنصر النهائي الحيوي الذي يُسمى بالقيم الشخصية منها والعامة .

هذه القيم التي تمثل – ببساطة – المعتقدات الشخصية لكل إنسان عمّا هو مهم بالنسبة له . فقيم كل منا هي معتقداته بشأن ما هو صواب ، وما هو خطأ ، وما هو شر ، وما هو خير ، وما هو حلال ، وما هو حرام . فقيمنا هي الأشياء التي نحتاجها بشدة لكي نتقدم إلى الأمام . فإذا لم يكن لنا قيم فلن نشعر بالتوازن وتحقيق الذات . ويأتي الشعور بالتوافق والتناغم والتوحد من الشعور بأن سلوكنا الحالي يتماشى مع قيمنا . بل إن القيم هي التي تُحدد رد فعل كل منا على أي تجربة في الحياة ، كما أنها تحكم إسلوب حياتنا برمته ، وهي بالضبط تشبه المستوى التنفيذي في الكمبيوتر . إن بإمكانك أن تضع أي برنامج جاهز في الكمبيوتر ، ولكن قبول الكمبيوتر له أو استخدامه من عدمه ، يتوقف على برمجة المستوى التنفيذي له في المصنع . إن القيم هي مثل المستوى التنفيذي للحكم في المخ البشري .    

من هنا فإن الأشخاص الذين تحكم تصرفاتهم ، وتوجه سلوكهم قيمٌ منخفضة ، لا تفرق بين الحلال والحرام ، ولا الخير والشر ، ولا الأمانة والخيانة ، فإنهم بالتأكيد سيتصادمون مع أصحاب القيم العليا ، لأنهم لا يشعرون بالإرتياح لهم بسبب التعارض القوي والتنافر القطبي بين منظومة القيم العليا ، ومنظومة القيم المنخفضة . وحتى الحروب التي تقع بين دول العالم هي في الحقيقة نتيجة لتنافر القيم . 

هؤلاء الذين يتهمهم أصحاب القيم المنخفضة بـ " تهمة الطهارة " هم في الواقع لا ينطلقون في إدارة شئون حياتهم من منطلق الربح ، أو الخسارة ، لأن ما يمثل ربحاً عند سواهم إنما يبدو في أعينهم ، ووفقاً لمنظومة قيمهم العليا خسران عظيم . اللهم إجعلنا جميعاً منهم . واحفظنا من تجّار جملة الضمير . اللهم آمين . وللحديث بقيّة .. ، تحياتي .             

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية