الصمت الإحتجاجي . لماذا ؟

هل تتذكرون المقال الرائع الذي كتبه أخي الحبيب الأستاذ : بدر الشبيب ، تحت عنوان    " الإصابة بالسكتة الحوارية " والذي حاول من خلاله تسليط الضوء على غياب لغة الحوار بين الزوجين ، بل وأفراد الأسرة ككل ، وآثار ذلك على تقليص مستوى التفاعل الإيجابي داخل الأسرة  ونقص الإنجازات ، وضعف قنوات الفهم المشترك ؟

والآن اسمحوا لي المضي في ذلك السياق لأفتح نافذة على هذه الساحة التي تعجُّ بالمتغيرات ، والتعقيدات ، ففي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى الصمت بين الزوجين على أنه مشكلة حادة تتولد عنها مشكلات أُخرى متعددة ، يراه البعض الآخر أنه حق مشروع لكلا الزوجين حيث أنه يمنحهما الفرصة للتأمل والتفكير ، واستجماع القوى للإنطلاق في الحديث من جديد مع شريك الحياة ، أو أفراد الأسرة بشكل عام . بينما يرى فريقٌ ثالث بأن الصمت قد تحول إلى ظاهرة إجتماعية في ظل توفر وسائل التسلية والترفيه المعاصرة ، مثل ،  الإنترنت ، والهاتف بنوعيه الثابت ، والمحمول ، والقنوات الفضائية التي تسحر كل طرف وتشده في اتجاهها ، بل وتخطفه قانعاً راضياً سعيداً من بين أحضان أقرب الناس إليه ، إضافة إلى مسألة " الخصوصية الشخصية " التي باتت شبحاً يهدد العلاقات الأسرية ، وتساهم في توسيع دائرة التنافر ، وإتساع رقعة الخلاف ، وتكريس الشعور بالإغتراب العاطفي بين من جعل الله منهما للآخر " سكناً " مفعماً بالمودة والرحمة والسلام .  

وبطبيعة الحال يختلف نوع الصمت تبعاً لإختلاف منشئه ، أو الهدف منه ، أو الرسالة التي يريد صاحبه إيصالها للطرف الآخر ، وأعني به " الشريك " حيث أن هناك " الصمت التجنبي ، أو الصمت الوقائي " الناتج عن كون الزوجة مفرطة الحساسية ، وبالتالي قد تفسر كل كلمة من زوجها على أنها لون من النقد، ومع مرور الوقت يجد الزوج أن الصمت أمام زوجته أجدى من الاعتذار في كل مرة ، وإذا تكرر مثل هذا الموقف فإن الزوج الذي يكون ذا روح مرحة يبحث عمن يبادله المزاح سواء من الأصدقاء أو الأقرباء ، وهذا ما يخلق مشكلة تفضيل الصمت في بيته وتخيله أنه الحل الأسلم له ، كما أن هناك نوع آخر من الصمت وهو " الصمت التفاضلي " والذي يكون وليداً للتباين الكبير في المستوى الثقافي أو التعليمي بين الزوجين . إضافة إلى" صمت الإفلاس " والذي يعكس إفتقار صاحبه إلى المعرفة والثقافة في قضية ما تكون مثار الجدل ، وآخيراً " صمت الحكمة " والذي يعبر عن مدى العمق الفكري لصاحبه ، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام ، أو الدخول في مناقشات بيزنطية لا طائل من ورائها سوى إثارة المشاكل والنكد ، وإنما الإنتظار للحظة المناسبة للحديث الموضوعي والمسئول الذي يؤدي بالضرورة إلى توفر أرضية مشتركة بينه وبين الطرف الآخر .       

كما أن هناك نوع آخر من الصمت لا يقل أهمية من الأنواع المذكورة أعلاه ، ألا وهو " الصمت الإحتجاجي " والذي يعكس عدم رضا أحد الشريكين عن الآخر ، أو أنه يضطر أن يلوذ بالصمت تعبيرا عن النقد ، خصوصا إذا  سبق أن صرح به ولم يجد استجابة  أو أنه جرب ولقي ردة فعل عنيفة من شريك حياته ! أو أنه نتيجة لإنخفاض سقف الثقة بين الزوجين ، وبالتالي يتحاشى كل منهما الحديث لئلا يستخدم شريكه ما يقوله في يوم من الأيام ضده ، ويصنفه بأنه ضعيف الشخصية ، أو رجل بلا أسوار . فيدفعه هذا إلى التحفظ في الكلام وعدم إبداء الرأي ، أو المشاركة في الأحداث التي تخص الطرف الآخر !!

الحقيقة أن الصمت يقتل المرأة بالذات إذ تراه تعبيرا عن الاستغناء عنها من جهة  واتهاما لها بكونها ليست على مستوى الحديث والمفاهمة من جهة أُخرى ، ولذا يكون وقع الصمت عليها أشد وطأة من " الهجران العاطفي " لأن الحقران يقطِّع المصران . أليس كذلك ؟ كل عام وأنتم بألف خير ، وبدون صمت إحتجاجي على الإطلاق ، تحياتي .       

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية