نحن بين الولد والجسد

جميعنا يؤمن بأن العلاقة الزوجية تمثل " المودة والرحمة " بين الزوجين ، كما أن كل منهما يمثل للآخر" السكن " الذي يشعر فيه بالدفئ والأمن والسكينة ، قال تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم ، ولا خلاف بيننا كذلك في أن الهدف من الزواج هو التناسل ، فالكل يدعوا الله ليلاً ونهاراً بأن يرزقه الذرية الصالحة التي تكون بارّة به حياً و ميتاً وتخلِّد ذكره من بعده ، قال تعالى : ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) سورة آل عمران . وكما جاء في الحديث النبوي الشريف  " تناكحوا تناسلوا فإني مضاهي بكم الأمم يوم القيامة " .

بيد أن هذا العلاقة السرمدية غالباً ما تتعرض إلى الإهتزاز لسبب أو لآخر ، فتارة ينشأ الخلاف بين الشريكين نتيجة لغيا ب الفهم المتبادل نظراً للتفاوت بينهما في المستوى التربوي أو الثقافي ، أو التعليمي ، وتارة أُخرى يكون مرده إلى عدم الإتفاق على ترتيب الأولويات في الحياة الزوجية ، وفي موضع آخر يكون الخلاف ثمرة لإهمال أحدهما للآخر وانشغاله عنه تحت أي مبرر كان ، مما يستفز الطرف المتضرر من هذا الإهمال ويجعله يبادل الجفاء بالقطيعة تحت عنوان المعاملة بالمثل ، والتعصب للذات ، والغرق في دائرة ردود الأفعال العمياء ، وهنا يحدث بينهما ما يُمكن تسميته بـ " الطلاق العاطفي " وهو أشد قسوة من الطلاق الشرعي " حمانا الله وإياكم من هذا وذاك " .

وعليه فإنه لمن المؤسف أن ينفرط الميثاق بينهما ، وتتحول وحدة المشروع الزوجي إلى مشاريع متنافرة " وكلٌ يغني على ليلاه " ولست أرى أفضل من نموذج " كلينتون ، وهيلاري " ليجسد ما أقصده في سياق هذا المحور . حيث أن لكل منهما مشروعه الخاص الذي يقذف به بعيداً عن شريك حياته ، وكأن أمره لا يعنيه !! ومع الأسف الشديد هكذا نرى بعض الشراكة الزوجية التي إنفصم عراها ، وانشطر مشروعها ، وتعددت بها السُّبُل ، فنرى الزوج لاهثاً ليل نهار من أجل توفير لقمة العيش خوفاً من الفاقة ، أو الإنغماس في العمل الإجتماعي بغية الأجر والمثوبة ، ونرى من جهة أُخرى الزوجة وقد غاصت حتى مخمص قدميها  في تربية الأبناء ، وكلاهما يحسب أنه يُحسنُ صنعا !! فإذا بالمودة قد تآكلت ، والرحمة قد إنقلبت ، والسكينة إلى الضوضاء تبدلت .

هوناً بأنفسكم أيها الشركاء ، تريثوا وتمعّنوا جيداً فيما آل إليه حالكم ، وإن لم يؤل فاحذروا أن يؤول . فإن لأنفسكم حقٌ عليكم ، ولكل منكم حقٌ على الآخر ، وإن من أصعب الأمور على الشريك أن يحتاج شريكه فلا يجده ، أو يجده فلا يستطعمه ، أو يستطعمه فلا يتذوقه ،أو يتذوقه فيمضه ويرفضه ، إنها منتهى المأساة أن نهمل أنفسنا وننغمس فيما نعتقد " خطأً " أنه في أعلى سلّم أولوياتنا ، فلا نراعي حقوق شريكنا فينا ، ولا نأبه بنقد حاضرنا من أجل إشراقة مستقبلنا ، والظفر ببعضنا البعض . 

إنّ من الأسباب الضخمة التي تتسبب في " الخروج " من الحياة الزوجية هي مسألة الإستهانة بالحقوق والواجبات ، لا سيما بعد أن يمضي بنا قطار العمر ، فنتخّيل ضخامة رصيدنا  في حساب البنك العاطفي لدى شريك حياتنا بما يضمن بقاءنا في مركز الصدارة ، وهذا في رأيي القاصر يمثل " لب المشكلة " فلا يجب أن نُهمل الجسد من أجل مصلحة الولد لأن تحقيق التوازن هو بوليصة التأمين الأبدية لحياة سعيدة هانئة ترفرف عليها طيور المودة والسلام . تحياتي .

همسه :

 وهل أنا مسرورٌ بقرب أقاربي         إذا كان لي منهم قلوب الأباعدُ

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
abdullah
[ umalhamam - qatief ]: 29 / 9 / 2010م - 2:57 ص
كعادتك إستاذ إبراهيم تواصلنا بالمقالات النافعة وكعادتنا نواصلك بالشكر وهو الذي لا يوفيك حقك

العلاقات الناجحة تبنى وليست وليدة الصدفة

لكن الكثير يبني علاقاته بعفوية دون التأمل في طبيعة الطرف الآخر

أستطيع أن أخبرك أن أكثر مشكلتين ألاحظهما في من هم حولي
attention seeking behaviour
High expectations

قمت بارسال مقالك لصديق علاقته الزوجية متعثرة
2
ابراهيم بن علي الشيخ
29 / 9 / 2010م - 10:30 ص
عزيزي الأخ : عبدالله
أشكرك على تواصلك الجميل ، ومساهمتك الفاعلة في توسيع دائرة الإستفادة مما أكتب ، حيث إن منتهى سعادتي هو أن يستفيد الناس مما أكتب في تواضع ووداد . دامت بركاتك .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية