ما هي قضيتك الأولى ياصديقي ؟

الجميع يحبون الفائزين ويميلون إلى مرافقة المتفوقين ، فإغراء النجاح أو الشهرة يجتذب الملايين منا كما تنجذب الفراشات إلى الضوء . إن الشهرة الإجتماعية وذياع الصيت هو ما يسعى إليه الجميع لدرجة أنهم يعشقونه إلاّ ما رحم ربي ، ومع ذلك وتحت السطح فإن التركيز على الفوز بأي ثمن والسعي إلى دائرة الضوء يكون دعوة إنسانية بسيطة لكنها ضرورية ، وإن مواصلة عمل أشياء غير شائعة يجعل العالم مكاناً أفضل . إن الشجاعة هي الرغبة في النضال من أجل قضية حتى عندما نكون متأكدين من الخسارة ، إنظر بعمق إلى الحياة وستجد أن هناك إنتصارات كثيرة تحققت في العالم ولكنها كانت أسوأ من الهزيمة .

ليس مهماً أن تضمن النجاح لكي تتصدر الدفاع عن قضية ما ، ولو أن كل إنسان فكر بهذه الطريقة لضاعت كل قضايا الناس في الهواء ، ولتوقفت عجلة التنمية والتقدم والإصلاح  لأن القضايا الخاسرة تكون أحياناً الوحيدة التي تستحق منك النضال من أجلها ، حيث تجعلك كل خسارة تتقدم للأمام لأنها تمثل مصدراً هائلاً للإثراء المعرفي وتراكم الخبرات .

إنّ حُكم اللحظة لا يعني حكم الزمن، فالقضايا التي لا يقبل عليها الناس أو التي يتم تجاهلها يجب أن نكرس جهودنا من أجلها، وفي بعض الحالات النادرة تستحق تلك القضايا أن نكرس من اجلها حياتنا. حيث إن كثيراً من القضايا التي كانت تبدو عديمة الجدوى ظلت تعيش في قلوب الناس وتكبر في وجدانهم إلى أن تحققت بعون الله ودعمه في النهاية. وهذا هو السبب في أن تكريس جزءاً من وقتك للدفاع عن القضايا الخاسرة " في إطار النظام العام " لا يعمل فقط كإبرة في بوصلتك الداخلية ولكن أيضا كقضيب إضاءة لمواصلة إيقاظ القدرة الكامنة في أعماقك ما حييت. 

مع الأسف الشديد إن معظم الناس يقولون إنهم يُناصرون المستضعفين ، ولكنهم في الحقيقة هم دائما يتبعون الأقوياء ، بل إنهم يتندرون ممن ينذر وقته ويسخر جهده وشبكة علاقاته لخدمة الناس لأنه في رأيهم لم يفعل شيئاً لنفسه ولا لعائلته ، هؤلاء لا يدركون حجم السعادة التي يشعر بها من يتصدّون لقضايا المجتمع وخدمة الناس ، لأنهم يعتبرون إن حدود رؤيتهم الخاصة هي حدود العالم . القلة من البشر من لا يعتقدون ذلك وأرجو أن تنضم إليهم الآن عاجلاً غير آجل . فلا أروع من شخص " تُقضى على يده للناس حاجاتُ " وإذا كان لم يُحقق من حطام الدنيا إلاّ القليل فذلك لا يضيره ولا يبخس ثوابه الذي يرجوه من خالقه.

فكِّر الآن في الفرق الذي تشعر به من جرّاء العمل المباشر في قضية يعتقد الآخرون أنها خاسرة مقارنة بالكثير من الوظائف الإلكترونية الحالية التي نادراً ما نرى فيها جهوداً تمس الروح الإنسانية ، فالتعلم يا سيدي الكريم أن هناك سبب رئيس يبرر انضمامك إلى تبنِّي القضايا الخاسرة ألا وهو تفرُّدك في أن تمنح السعادة لإنسان كاد يحطمه الإحساس بخيبة الأمل على سطح هذه الكرة الأرضية التي تموج بالمتناقضات .

بالتأكيد هناك دعوة فطرية في داخل كل منا لا يجب تجاهلها على الإطلاق للقيام بشيء ما يجعل العالم من حولنا مكاناً أفضل للحياة الكريمة والعيش المشترك ، سواء كان ذلك الشيء غير شائع أو لا يلاحظه الآخرون ، ومن وقت لآخر يمكنك المُضي قُدُماً في صعوبات الحياة والإحتمالات المنسية وتتعامل معها بشكل شخصي . المهم هو أن تؤمن بقضيتك .  مودتي .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
فائق المرهون
[ السعودية - ام الحمام ]: 6 / 10 / 2010م - 5:37 م
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
لقد توقفت طويلا عند الجملة الآتية (ستجد أن هناك انتصارات كثيرة تحققت في العالم ولكنها كانت أسوأ من الهزيمة) !
لقد أفعمت الحكمة في ثناياها , وغبطتك عليها , وإن كان ذلك ليس بغريب عليك يابن الشيخ , وأشعر أن البعد الفلسفي قد طغى على مقالك اليوم , وهو بهذه الحال يحتاج لقراءة متأنية وفاحصة ومتعددة .
يبدو أنك تجاوزت الخبرة الإجتماعية إلى مراحل أوسع وأشمل , فتهانينا لك .
2
براهيم بن علي الشيخ
7 / 10 / 2010م - 12:15 ص
أخي الحبيب الأستاذ : فائق المرهون
لقد أقلقني غيابك الذي تصادف مع العودة إلى المدارس ولعل ففي ذلك مبرر على ما أعتقد ، فحمداً لله على عودتك الحميدة ، ولا أستغرب توقفك عند مسألة الإنتصارات والهزائم لأنك بحار ماهر يعرف كيف يتعامل مع تقلبات الأمواج ، ويفطن إلى متطلبات الغوص بإمتياز . كما أنك على علم تام بقضيتك التنويرية التي تبوح بها مداخلاتك التي تثريني . فلك المودة والتقدير .
3
بدر الشبيب
7 / 10 / 2010م - 6:22 ص
الأخ العزيز الأستاذ ابراهيم الشيخ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أؤيد ما ذهب إليه الأستاذ فائق المرهون من إعجاب بهذا المقال ذي الصبغة الفلسفية.
أقرؤك كأني أقرأ جبران بقلمه الأنيق الفاره الذي يعتني بالكلمة والمعنى.
إن حكم اللحظة لا يعني حكم الزمن.
معظم الناس يقولون إنهم يُناصرون المستضعفين ، ولكنهم في الحقيقة هم دائما يتبعون الأقوياء.
حكمتان اقبستهما من مقالك الحكيم.
( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )
4
براهيم بن علي الشيخ
7 / 10 / 2010م - 10:50 ص
المعلم المُلهم : أ . بدر الشبيب
ما إقتبسته من المقال يعكس خبرة الحكيم ، وحكمة الخبير ، وإن ما أسبغته على أخيك من ثناء " يرى نفسه دونه " ينمُّ عن كرم أخلاقك وحُسن معشرك . وفي الحقيقة إنني محظوظ جداً أن يقرأني وعيك فتشع أحرفي وعياً لمن يعي قضيته الأولى . تقبل مودتي واحترامي .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية