حديثٌ خارج الأقواس

تتسم حياتنا العصرية بالإيقاع السريع والفوضى المتزايدة ، وثورة المعلومات الهائلة التي أدّت إلى إختزال الكرة الأرضية في قرية صغيرة تتلاطم على جنباتها كل المتناقضات فتضغط على قاطنيها دون رحمة . وأمسى الإنسان ليس عضواً في أسرته البيولوجية فحسب  بل أصبح ينتسب لأسرة ضخمة تضم كل سكان المعمورة " Global Family " .

كل هذه العوامل تؤدي بالتأكيد إلى إبعادنا عن أفكارنا ، والأنشطة الروحية ، وفي نفس الوقت تجعلنا نتوق لهذه الأفكار والأنشطة لنستعيد سلامنا الداخلي ، ونستنهض القوة الإلهية الكامنة في داخلنا . فحتى المنزل يمكن أن يكون مكاناً غير مُريح ومزعج ، وذلك بسبب التفتيت الذي أصاب الأسرة في مقتل ، والأطفال الذين لا تنتهي طلباتهم ، كما لا يمكنك الإسترخاء أمام التلفاز الذي يصيبك بالصداع من جراء الأخبار المزعجة التي يقذف بحممها فتستقر في اللاشعور فتحيلك إلى إنسان متشائم بلا حدود ، وهذا يستنزف حتماً الجهد والطاقة  ويضغط على أعصابنا فيؤدي إلى فقدنا للراحة وإتلاف نسيجنا العاطفي والإنفعالي فلا نلبث أن نثور ونغضب وبالتالي نفقد الهدؤ والسكينة التي بتنا ننشدها في كل حين .  

• فكيف تهرب من الزحام الشديد ؟
• وأين تجد الإنتعاش والسلام الداخلي ؟
• وأين تجد الملاذ الآمن يا تُرى ؟
 

بالتأكيد إن الطقوس التي " تؤمن بها وتثق في فاعليتها " هي المأوى الذي يتحتم عليك أن تلجأ إليه لتشعر بالدفء والأمان ، والراحة والتجديد ، وهي بطبيعتها تمدك بالنظام والإستقرار والأمن ، وتجعلك تشعر باليقين عندما تضطرب الأمور من حولك . ففي الحيز الذي توفره لك تلك الطقوس يمكنك أن تُصبح أكثر إنهماكاً في الأفكار التي تسمو بروحك . والأكثر من ذلك فإن الطقوس هي جزء موروث في الطبيعة البشرية والروحية . فكل جماعة إجتماعية تختزن ثقافتها بطقوس ثابتة تمثل جزءاً من بنيتها الإجتماعية ، وتساهم في إزاحة الأثقال النفسية عن كاهلها ، وتحررها من القيود والآلام والمعاناة بشكل أو بآخر .   
 
إن كافة المجتمعات البشرية " مهما كانت ديانتها سماوية أو وضعية " عندما تتعرض للمحن والأهوال ، ويضيق الكون بمعاناتها يقوم الناس فيها باللجوء إلى الطقوس التي يؤمنون بها وتجيزها شريعتهم ، على إعتبار أنها تمثل لديهم شكلاً من أشكال الدفاع الذي     لا يُقهر ، ومخرجاً للتخلص من الهموم الجاثمة بقسوة على صدورهم . لأنها كذلك تمثل وسيلة لتطهير العقل من التلوث الضوضائي ، وتحرير النفس من الوساوس والأوهام   وتمدُّهم بالنظام والإستقرار اللذين يحجبان عنهم الشدائد التي تحيط بهم من كل جانب  وتسمح لهم بالتواصل الفعال مع أنفسهم والآخرين من حولهم بصورة أكثر رُقيّاً . 

بالمشروع والمقبول يمكنك زيادة إستقرارك العاطفي والروحي ، وتقليل درجة توترك وإنفعالك ، كما يمكنك أن تصبح أكثر إصراراً ومثابرة لتصبح أكثر قوة وأشد صلابة وأعمق ثقة في نفسك وفي الآخرين ، فهل تتمكن من ذلك يا عزيزي ؟ . تحياتي .  

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية