كيف ترجّلَتْ نخلةُ الشعر؟

مع غروب شمس يوم الجمعة 5/11/2021م، ودّعَت أمُّ الحمام - القطيف أحدَ أبرز شعرائها الكبار، الذي كان نخلةَ الشعر في قريته، كلّما هزّ إليه بجذعها تساقط علينا رطب القصيد جَنِيًّا...

رحل أستاذُنا المُلهِم ”أبو حمديّ“، وترجّل عن هذه الدنيا... نعم قد ترجّل.. لكنّه ما زال شاخصًا فينا! فابتسامتُه رسمت موقعها في أحداقنا، وصوته استعذبته أسماعنا، وشعرُه الذي اتخذناه أنموذجًا حفظناه في دفتي صدورنا..

الشاعر سعيد معتوق الشبيب.. عُجنت روحه بوحي الشعر؛ لا أقول ذلك جزافًا! فما عليك سوى أن تقرأ قصائده حتى تستهويك تلك «السهولة الممتنعة» التي هي من أجمل أنواع الشعر، بل وأصعبها؛ لكون الشاعر يُطوّع حديد الصياغة الأدبية ويصقلها بفكرته بعد أن حكم قبضتها، فيبدو أسلوبه لينا سهلا.

عرفتُه وأنا أخطو خطواتي الأولى في عالم الأدب، لا سيما في أماسيّ منتدى «أبو البحر الخطيّ» الأدبي، إذ هو أحد أعمدة هذا المنتدى، كان بالنسبة لي ظاهرةً أدبيةً فريدةً، ذا مهارةٍ في إبداع القصائد وانسجامها النصي.

بدا لنا مخلصًا للشعر لذاك كان يحتوي الشعراء الشباب الواعدين فيشجّعهم ويفتح لهم بابًا ليلجوا منه إلى عالم الإبداع والأدب، لمسنا ذلك فيما رأينا وفي بعض ما أطلعَنا عليه.

وهو على الرغم من ملكته الشعرية البديعة وأُستاذيّته لنا، إلا أنّ التواضع سِمَتُه الواضحة، فتلفيه لا يأنف من أن يسأل عن رأينا في قصيدته، أو في هذا التركيب أو تلك المفردة، وهو المتمكّن الأمكن من ناصية اللغة. وكنت أبدي إعجابي بنصوصه تارةً، وتارةً أخرى أناقشه في بيتٍ من أبياته؛ فكان وهو الأستاذ يُصغي لملاحظات تلميذه فيفنّدها حينًا ويأخذ بما يراه صائبًا حينًا آخر!

أما عن تواضعه فقد رأيت الشيء الكثير، ولا إخال أحدًا جالسه ذات يوم إلا ويُخفي في جعبته شيئا من تواضعه الجمّ.

أذكر مرّةً حين عُني بديوان «الملا حسين الشبيب» رحمه الله، وخرّجه وطبعه الطبعة الثانية الجديدة، وبذل فيه جهدًا ليس بالقليل، سألتُه: لماذا لم تضع اسمك في الديوان أنك من اعتنى به ونشره؟ قال: لا حاجة لذلك، فالمهم أن يُنشر الديوان. فعجبت لذلك لعلمي بما بذله في سبيل ذلك!

فقيدنا الغالي استطاع أن يكسب محبة الناس، حيث يترجم قربه منهم وتواصله معهم من خلال مجازاته وصوره الخيالية، مستثمرًا طاقاته الإبداعية في قصائده الإخوانية والرثائية؛ لذلك عرفَته الناس شاعرًا اجتماعيًّا بامتياز؛ ولعلّ ذلك - كما أشار أستاذنا بدر الشبيب - يعود إلى سيكولوجية الشاعر نفسه؛ لكونه أكثر الناس التصاقًا بالناس العاديين، فهو يرى ذاته لا تكتمل إلا مع ذوات الآخرين.

لذلك ليس عجيبًا أن تتشح القطيف عامة، لاسيما أم الحمام، بالحزن والدموع لفراقه المباغت!

إن فقده حقًّا أسقط من شجرة القلب خضرتها، وهل لنا أن ننسى ضحكته وأُنسَه وخُلُقَه الرفيع، وشعره العذب..

رحم الله أستاذنا الكبير سعيد معتوق الشبيب أبا حمدي، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان

إنا لله وإنا إليه راجعون

شاعر