عَوْدٌ حميدٌ لمدرستي

لقمان عبدالله

تمضي سنين العمر و تبقى الذكريات ، لم أزل أذكر تلك المدرسة المهترئة التي يكاد سقفها يسقط ليحطم أحلامنا قبل أجسادنا و يرسل لنا تذكرة سريعة تجاه الموت ، العجيب ‪هو ‬أني لم أفقه سوء بنائها إلا حين عودتي لها لزيارتها بعد التخرج ، لربما الأوقات السعيدة بداخلها شغلتني عن ملاحظة سلبياتها .

طابقان و عشرة غرف يكاد يختنق بها المبنى ، رغم الضيق المستعر إلا أننا لم نكن نشعر به ، بل كنا نشعر بحلاوة الجو المملوء بالعفوية و المحبة ، كان مكتب المدير هو الأكبر بلا منازع ، رغم أنه لم يكن فخما أو ممتلئ بالزينة بل ‪كان‬ شبه مقفر ، إلا إن المدير كان يحب أن يريح كرشه  في مكان واسع لتتسع معها آفاق تفكيره ، يتلو مكتب المدير غرفة الأساتذة ، الممنوع على الطلاب دخولها ، فمن يرغب في رؤية المكاتب المتكدسة فوق بعضها ، لا اتساع للتنفس أو للتحرك بشكل مفاجئ .

يتلوها غرف الفصول الدراسية المتراصة في حالة مستعصية الحل ، يتكدس بداخلها حول الثلاثين طالبا ، منهم المنعزل و منهم الشعبي ، منهم المتنمر و منهم ضحاياهم .

الفصل الدراسي حكاية أخرى ، بجدرانه المشخبطة بخطوط عشوائية ، كلمات لا مجال لذكرها ، و رسوم لكل شيء قد تتخيله .

المدرسون يحلقون بين الفصول كل خمساً و أربعين دقيقة ، يعزفون للطلبة النائمة نغم الدروس ، يتخلل الجدول الدراسي فسحة للفطور ، فسحة فيها كل شيء ، الراحة و الشجار ، الهروب و الفطور ، يظهر الطلبة في هذه الفسحة تمردهم على النظام و تحديهم له  .

بعد الفسحة تعود الدراسة لمجاريها و نظامها لولا بعض التأخير المبرر بدورة المياه ، تبدأ الحصة الرابعة بأعلى نشاط قد يصيب الطلاب و الذي يتقلص ببداية الحصة الأخيرة ، فترى الطلبة على قيد أنملة نحو الإغفاء و الإغشاء من التعب - الوهمي - فلا وقت محدد له إن كانت الحصة الاخيرة هي الخامسة كان موعد هذه الإغشاءة و إن كانت السابعة الأخيرة  فهذا موعدها ،هي مؤقتة بالحصة الأخيرة متى ما كانت .

ترى فوق رؤوس الطلبة أحلام ملؤها الخروج من الفصل و المدرسة و أكثر أحلامهم بريقا هي جرس النهاية ، ضرب جرس نهاية الدوام ، ازدحام و عبثية و شجار على من يخرج أولاً ، يعتبر البعض هذا الخروج هو الحرية بعينها .

يخرج الطلبة و قد ألقوا الخمول في أول حاوية للقمامة ، البسمة تعلوا وجوههم و حقائبهم تثقل ظهورهم ، يرسمون ذكريات لا تظهر إلا بمرور السنين .

قد لا يديرون بالاً لحال مدرستهم و لكنهم حقا يديرون بالاً لصداقاتهم و البسمة التي تعلو الجميع ، سيتذكرون مدرستهم الحبيبة و سيتذكرون كل لحظة بشعة و جميلة .

عَودٌ حميدٌ لمدرستي ، و دام سقفها صامدا لأجيال قادمة ..