سطوع

 

 

 

الفرق بيننا وبين الأنبياء والأولياء أنهم كالضوء دائم التوهج والسطوع، نورٌ متصل لا انقطاع فيه ولا خفوت، لا ينقطع عنه تيار الطاقة من المدد لحظة؛ لأنهم لم يغفلوا مِن اتصالهم بربهم الذي أمدهم بهذا النور طرفة عين. لا مجال للظلمة التي تمثل بيئة خصبة للوساوس والهواجس والشكوك والظنون.

عندما نغفل عن الله يتوقف المدد، وينقطع الاتصال، فينطفئ النور، عندها نلتفت ذات اليمين وذات الشمال، تتبدى صورٌ لم نعهدها وترتفع أصوات لم نألفها، تتبرج لنا الدنيا بزينتها وفتنتها، نصغي لوساوس الشيطان، نركن للشكوك والظنون السوداوية، نتحرك نحو الأماني الكاذبة، والآمال الزائفة، نستنفد طاقتنا في لهاثنا المحموم صوب سراب لم ينتج إلا التعب والنصب، تكبر مطامعنا، ويثقل كاهلنا بالأحلام الزائفة.

كلنا فُطرَ على الخير، وأُعطيَ الضوء (وهديناه النجدين)، هذا الضوء يبدأ وليداً ثم يكبر ويكبر متصلاً، من تعهده ولاحظه، مِن أن تعبث به رياح الإغراء والهوى، وعواصف الشهوات والرغبات استمرَّ معهُ متصلاً، ومَن غفل عنه، وتركهُ دون تعهدٍ ورعاية أسهم في تعجيل انقطاعه، وخموده.

ثمة فرق بين ضوء وضوء:

ضوء يومضُ ببطئ، والمسافة بين الومضة والأخرى طويلة إلى الحدِّ الذي ينسى معه الوميض، فأغلب سير صاحبه في أتون الظلمة، سيرٌ على غير هدى!. وفي أحسن الحالات يبقى صاحبه منتظرٌ الومضة تلو الومضة كي ينكشف له شيئاً من الطريق فيسير خطوات، ثم يقف مترقباً.

وآخر وميض ضوئه سريع، وإن كان متقطعاً، وخفيت معه بعض معالم الطريق إلا أنه يشاهده إجمالاً، وهذا ما عليه العلماء الربانيين.

الأولياء ضوؤهم متصل لا انقطاع فيه، يشاهدون الطريق بكل تفاصيله،  وفي كل الأوقات، لا خطأ ولا معصية، لا نسيان، ولا سهو، ولا مجال لـِ(الوساوس الخناس) وجنده؛ لأنه لا يحتمل هذا الشعاع، ومطبوع على الظلمة التي هي أبعد ما تكون عن هؤلاء الصفوة.

بعضهم أعدم الضوء الذي بداخله، فلا يحتفي إلا بلصوص الليل، ولا يحتمي إلا بظنونه وهواجسه، ولا يسترشد إلا بالوهم، يتخبط من هاجس إلى هاجس، ومن وهم إلى وهم، يخيلُ إليكَ أنه في سديم مقيم، "لا زوال له ولا اضمحلال"!.

أما نحنُ فـَ (الوسواس الخناس) بالمرصاد، ما إنْ يتوقف الوميض، ويحلُّ الظلام إلا وهاجمنا بشراسة لا هوادة فيها.

فما المخرج؟

أن نتعهد المصباح بزيت المحبة والطاعة لله تعالى، وأن نقدح المشكاة بفتيل العلم والمعرفة، وأن نصقل الزجاجة بنظرة مستديمة لوجهٍ يكفينا سائر الوجوه.