«يتيم من غرفة الولادة » الحلقة الحادية عشرة

أنت اليتيم الذي قاسى مرارة اليتم والحرمان.. ووالدك لم يذكرك لولا ذكر خالتك لك وأنا خائفة عليك منهم وقلبي يقرصني ويقول لا.

ستنتقل بقلبي دون جسدي.. فراقك صعب يا علي.
في أمان لله. 

حمل والده ملابسه إلى السيارة وعاد لاصطحابه والتوجه به إلى خالته ريم.

جدته تلوح بعينيها إليه ولسانها يقول في أمان الله لعلنا لا نلتقي.

وصل زهير مصطحبا ابنه علي حاملا ملابسه في يد وحقيبته في يدٍ أخرى.

استقبلته خالته استقبالاً حارًا أغاظ زهير كثيرًا وهو ينظرها تحتضنه وتقبله وكأنه ابنها العائد من السفر.
كيف تفعل ذلك؟.

هل تجاملني؟ أم هذه حقيقة؟.

اندمج علي مع أخيه زاهد وأخته زهراء وبدأ يتأقلم في البيت ويلعب بألعابهم وحاجياتهم ببراءة ومحبة وفي قلب والده تزداد الكراهية من وجوده ومن صورته وخياله. يتساءل : كيف قبلت نقله؟.

خالته ريم ذابت في حبه وعظم في عينيها وكأنه ولدها الوحيد.. حبها قد تجاوز المعقول تحبه أكثر من عيالها وتخدمه وتقدم له ما يريده قد لا تحبٌ ولدها ولا تهتم به كاهتمامها بعلي.

زهير ظل محرجا من هذه المحبة المتنامية بين علي وخالته متمنيًا فراقه وعودته إلى بيت جدته وينظر إليه بكره وبغضاء.. ويقول لا أحبه لا أحبه.. حرام يلاقي منها هذا الحنان.

صرخ زهير في وجه زوجته ريم!!.

ما لي أراك تتوددين إلى هذا اللعين أكثر من توددك إلى أولادي!!.
زهير ما هذا الكلام الذي أسمعه منك؟.
وهذا ليس ولدك ومن صلبك وفاقدا لأمه؟!.
هو الذي قتلها!!.
زهير هذا طفل كيف قتلها؟.

حك ذقنه وعيناه تقذفان الشرر في وجه زوجته وهي تحتضن الصغير.. أنتِ تقفين بجانبه لكن ستندمين!.
هذا طفل يتيم واليتيم لا يقهر.. كيف تأمرني ألا أحبه ولا أوده ولا أهتم به؟.

انظري إلى عيالي كيف تركتهم دون رعاية ولا اهتمام واهتممت به وبتعليمه.
أنت الذي جئت به من بيت جدته طوعًا ووعدتني بأنك لا تغضب لانضمامه إلى إخوته.
لو لم تطلبيه لما فكرت فيه ولا ذكرته.

هذا طفل يتيم وحوبته كبيرة والله أوصى باليتيم وإذا ظلمته ستعود عليك حوبته وظلامته وتهدم بيتك على رأسك، ألا تخاف من غضب الله عليك؟.

رد عليها قائلا بغضب: يخسأ أن يكون هذا القبيح ولدي!.. وليكن ما يكون!!.

نظرته ريم نظرة جانبية وهي تضم علي بيديها إلى بطنها تعال يا حبيبي لا عليك فأنا أمك لا تخف.. لا لن يضربك بعد الآن.
لا أسمح لك أن تهينه يا زهير.. هذا ولدي يكفي فقدانه لأمه. والله يقول: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ .

تدافعين عنه وكأنه ولدك.. هو الذي قتل أمه!! لكن العيب مني أنا الذي وافقتك وجئت به إليك ولو كنت أعلم بأنك ستعاملينه بهذه المعاملة وتفضلينه على عيالي لتركته عند جدته يموت قهرًا ولا يقتلني قهرًا!.

تعال يا علي أنا أمك يا ولدي لا عليك، أتق الله يا زهير فإن الله بالمرصاد إذا ظلمته ستندم وستعود عليك بالضرر.. ألا تشاهدها في غيرك ممن ظلم اليتيم؟.

سكتت ريم وهي تنظر لوجهِ علي وكأنه فهم ما قاله والده وقلبه يعتصر ألمًا وحسرة على نظرة والده إلى أخيه وأخته وعدم نظرته له.

وبسمته مع زاهد وتكشير أنيابه في وجهه.. ولسان حاله يقول هذا قدري ليتني بقيت مع جدتي فهي الأم الحنون وإن كانت خالتي أما حنون إلا أن هذا القلب القاسي لا يريحني.

نشأ علي برفقة زاهد ووالدهما يميز بينهما في كل شيء حتى إنه يضرب علي ضربًا مبرحًا على أتفهِ الأسباب ويهينه ويصرخ في وجهه الذي يشيع بالبراءة والنور ويترك زاهد يمرح ويلعب ويعتدي على أخيه ويضربه وولده كأنه لا يراه.

يتسوق برفقة زاهد ويترك علي في البيت وحده يبكي وإذا لحق به طرده قائلا ارجع مكانك.. يميز بينهما في العطاء والمصروف وتوزيع الحنان.

لزاهد الحب والحنان والعطاء.
ولعلي الكره والبغضاء والضرب.
 
ريم تحبُّ علي حبًا غريبًا يتعاظم يومًا بعد آخر وتعامله معاملة فريدة قد لا تُعامل أولادها بها مما زاد في غيظ زهير على ولدهِ وزوجتهِ وازداد كرهه لهما.

إلى متى أنت ستبقين على ما أنت عليه من التفرقة.. زاهد ولدي وأنتِ تفضلين قردًا عليه!.

حرام عليك يا رجل لا يسمعك الناس هذا قول رجل مجنون.
دعهم يسمعون وأنتِ تفهمين وتستوعبين ما تفعلينه كفى حقارة ونذالة وتقربا إلى هذا اللقيط!!.

هذا ردك عليَّ وهذا وصفك لولدك يا زاهد.. تقول إن ابنك لقيط ، ابنك أصبح شابا ويفهم ما تقوله، ألا تخاف على مستقبله وتحطيم نفسيته؟.

تنهد ثم قال أخاف عليكِ أنتِ من هذهِ العلاقة المريبة!!.
سامحك الله، يأتي منكَ أكثر لطالما سمعت منك ألفاظا قذرة وتحملت ليس حبًا فيكَ بقدر ما هو بقائي من أجل هؤلاء الصغار!.
تهددينني

لا أهددك لكنك لا تفهم ما تقول لقد فقدت عقلك، سأصبر وأمري إلى الله.

علي تقدم في الدراسة على أخيه زاهد الذي يصغره بعامين في مادة الرياضيات والرسم وحفظ السور وزاهد يتأخر ولا يستوعب دروسه ويتُعِب والدته في تعليمه.

عاد زهير إلى زوجته بالاتهام قائلاً: لقد فشل وتخلف زاهد في الدراسةِ والسبب أنتِ لقد أهملته وتركت تعليمه والاهتمام به بسبب اهتمامكِ بالقبيح.
تتركين ولدي وتهتمين بهذا القرد.
سأطرده من البيت!!.
حرام عليك يا زهير!!
هذا شاب لم يبلغ السادسة عشرة من عمره في الصف الثاني الثانوي إلى أين يذهب؟ وهو دون أم ولا أب!!.
لا يهمني أين يذهب إلى جهنم !! تحرقك وإياه.

إن كنت تنوي طرده فاطردني معه!.
لن أدعه يذهب وحده وقد توفيت جدته، ألا تخاف الله أن ينتقم منك بسبب فعلك؟.

ظلمته منذ ولادته!.
حرمته من العطاء! ومن الحنان!.
كيف تواجه ربك؟.

أخاف عليكَ يا زهيرُ من يومٍ تلاقي فيهِ حتفك بسبب ظلمك ! انظر لولدك زاهد كيف تصرفاته كأنه بهيم.
أخرسي!.

أنا أخرس.. سأخرس لكن قُل لي ماذا أخذ منك علي غير الضرب والصراخ.

غرفته مهملة وفراشه على الأرض!.
انظر إلى غرفة زاهد لقد اشتريت له السرير والفراش ولم تشتر لأخيه! تعتقد بأنه لا يشعر بهذا التمييز؟. 

وضُع زهير في مأزق بين سندان زوجته وبيته وعياله ومطرقة ولده علي حتى حملت زوجته مرة ثالثة وجاءته بطفلة أخرى بُعيد وفاة والدته سماها على اسمها زينب وهم في صراع من أجل علي.
مدُّ وجزر مرة يصرخ وأخرى يهدد وتارة يضرب بما في يديه .. أكرهه ولا أحب بقاءه في بيتي!.

لا تحبه هذا ولدك ماذا أفعل لك لماذا احضرته.     
تقدم علي في العمر سنة بعد سنة وهو يعيش في قهر والده، وحزن معاملته، وحرمانه من الحنان والعطاء والتفريق بينه وبين إخوته.

لكنه تفوق على أخيه زاهد في الدراسة وفي كافة مسائل الحياة.
خالته ريم تمثل أمه الحنون بعد جدته وحِبُها يزداد ويتعاظم كلما تقدم علي في العمر تعاظمت شجرة الحب في قلبها وأثمرت.
 
أصبح عليٌ شابا وعلى وجهه البراءة يُطيع خالته في كل شيء أكثر من طاعة ابنها زاهد ولا يرفض لها طلبا وتعتمد عليه في مقاضيها وطلباتها من خارج البيت ومن البقالة وغيرها، ويحبها أكثر من زاهد ويخدمها أكثر منه، ويستمع إليها أكثر من زاهد ويتبادل معها المحبة أكثر من ولدها زاهد ويكن لها عظيم الاحترام.. وزاهد يرفض أوامرها ويرفع صوته في وجهها ولا يرتدع عن رمي ما في يده أمامها حين يغضب. 

ريم تشعر بأهمية وجوده وتتمنى لو أن (زاهد) يأخذ منه القليل من الهدوء والأخلاق والطاعة والشطارة والذكاء.

دخل علي قلب خالته ريم وسكن فيه يمتص الحنان الذي افتقده بسبب وفاة أمه وقسوة أبيه ويشعر بالأمان وكأنه الوحيد الفريد يسبح ويمرح في قلبها بمفرده ولا مكان لغيره.

بدأ زهير يفكر في تزويج ابنه زاهد وطلب من أمه البحث له عن زوجة في أقرب فرصة لأنه بدأ يفشل في دراسته ويتمرد على والده فلكي لا يخسره ويتفوق عليه علي ويحل مكانه أراد ربطه بالزواج.

بعد فترة قصيرة تزوج زاهد من فتاة من أقربائه قريبة منه في السن ومتقدمة عليه في الدراسة فتمكنت منه وبدأت تملي عليه شروطها وتبعده عن أمه ووالده وإخوته وتخلق له المشاكل والخلافات والحزازات بينه وبينهم وبدأ لا يكلم أمه ولا أخاه استجابة لأوامر زوجته ويطبق ما تقوله ويفعل ما تأمره وتملي عليه.

توترت العلاقات بينه وبين أمه وأخيه علي وبدأ يرفض خدمة أمه وطاعتها ويظهر نفسه كأنه الرجل الذي يملي على والده ويسيره.
أمه تضع اللوم على والده وتقول هذا كله منك وبسبب فعلك وتفريطك وحنانك المفرط وتدليلك.

هذا من ظلمك إلى علي لقد بدأ يعود عليك وتكتوي بناره.. انظر لقد تمرد عليك زاهد ولا يسمع كلامك ولا يستجيب إليك وأنت تكره ولدك علي الذي يطيعك ويحترمك ويحبك ولا أدري لماذا تفعل ذلك.
أشار بأصبعه إلى صدره تتهمينني ونسيتِ فعلته بأمه.
ردت عليه: الكلام معك ضائع وأنت مصر على رأيك وتفعل ما يغضب ربك.