يُشبه الكائنات الفضائية!

نحن عالم متخلف بالرغم من هذا الكم الهائل من التطور، حسب نظرية الوراثة الجينية، التي تُشكل أجسامنا وصورنا، قال تعالى ”إنا خلقنا الإنسان من نظفة أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا“ سورة الإنسان.

الجينات تمثل وحدات لبناء كل جزء في أجسامنا، في الحالة الطبيعية حيث ترحل كل خلية بعد عدد من الانقسامات لتكون المكان التي نشأت من أجله، وقد يحدث الخلل في تشكل هذه الجينات؛ وينتج عنه الأمراض الوراثية وبعض التشوهات الخلفية الخارجة عن السيطرة وعن الإرادة العلمية والطبية، وإن كان التطور الحديث العلمي والطبيي يحاول التقليل من نسبة تشوه الأجنة، لكن الإرادة والحكمة الإلهية أحيانًا تقتضي ولادة أطفال بتشوهات خلقية على درجات متفاوته، بعض هذه التشوهات أوالطفرات الجينية نادرة، غالبًا هؤلاء لا يقدر لهم العيش فترة طويلة، هنا ما أُود الإشارة إليه هو الكل ممكن أن يكون معرض لمثل هذه الحالات سواء كان بالولادة أو بالحوادث المختلفة التي يمكن أن يتعرض لها المرء لا قدر الله، بعض الأحيان نُولد بصورة غاية في الجمال، كاملة الخلقة وبأتم الصحة، وبسبب حادث ما نتعرض له في الحياة، وما تقودنا له الأقدار، نفقد نعمة من نعم الصحة، ممكن إعاقة جسدية أو عقلية، تشوهات في الشكل، بصر ية، سمعية، أو اعتلالات داخلية وأمراض مزمنة وراثية تُولد معنا وترافقنا طوال الحياة، كلنا لانملك من أمرنا شيء.

الاعتلالات الخلقية مظهر من مظاهر العطف والشقة المؤذية لذوي هذه الفئة، أمهات وآباء يعانون من نظرات الآخرين وتعليقاتهم الجارحة، تنمر جاء على صورة شفقة قاتلة لوالدين عانوا في سبيل ولادة طفل يحمل تشوه خلقي، أو إعاقة جسدية، أرواح بريئة بيضاء نقية داحل هذه الأجساد، قُدر وجودها في هذه الحياة.

ابني حتى لوكان وحشًا أنا راضية به وأحبه بكل كياني ووجودي، أرى نفسي فيه وفي ملامحه التي حفرت في قلبي قبل عقلي، يراني بروحه التي ترفرف حولي وإن لم يمتلك عيون ناظرة.

الحمل يسير بشكل طبيعي وآمن على حسب الفحوصات والإشاعات والمتابعة الطبية الشهرية، وضع الجنين طبيعي، باقي بضعة أيام ويدخل حملها الشهر التاسع، احست بالطلق فجأة وبدون علامة أو انذار، فهو ليس موعد الولادة المحدد لها من قبل الطبيب المتابع، ذهبت إلى المستشفى، حالة ولادة بسرعة، تم إدخالها إلى غرفة الولادة، استدعي الطبيب المشرف على حملها وفي وجود الممرضة القابلة تمت الولادة طبيعية، والدتها وأخواتها خارج غرفة الولادة في انتظار قيامها بالسلامة، وريت المولود، هي لم تسمع صراخ المولود، سمعت صراخ والدتها وأخواتها خارج الغرفة، وانهيار الممرضة الموجودة معها في الغرفة، صوت أختها تقول إنه يشبه الكائنات الفضائية، لم تستوعب ما سمعته من أختها، فهي مازالت في حالة من التعب والإعياء، احست بخطب ما عندما رأت والدتها وأخواتها في حالة انهيار وبكاء، أرادت أن ترى مولودها، رفضت الأم ذلك، خوفًا على ابنتها من المفاجأة، أيقنت أن الأمر يتعلق بمولودها، فهي متلهفة لرويته، بينت لوالدتها بمعرفتها بأمر طفلها، كي تراه بعد يومين ألحت على الممرضات أن ترى طفلها، والدتها أخبرتها بأن طفلها ولد مشوه، وأن هذه رحمة من عند الله، وأن عليها تقبل ذلك بإيمان وصبر، فهي لم تعلم مانوع التشوه الموجود في طفلها، قالت: هو طفلي وأنا أحبه حتى وأن كان مشوه، أنا راضية به، أحضرت الممرضة الطفل ووضعته في حضها، وكان في حالة بكاء، احس بأمه فتوقف عن البكاء، رفعت الملاءة عنه، فوجدت طفلها بلا وجه، صرخت ليس له وجه، أصابها الذهول رأس من غير وجه، أصبحت في حالة صراع بين القبول والرفض، عاطفة الأمومة تغلبت وفرضت حبها على قوة العقل الذي كان رافضًا، اعتنقتها حالة من التفكير للبحث عن طريقة للتخلص من هذا التشوه، وإجراء عمليات تجميل، أخذت ترسم لطفلها ملامح جميلة على حسب توقعاتها السابقة له قبل الولادة، هي تراه كما في مخيلتها، تقبلته كما هو طفل بلا وجه يشبه الكائنات الفضائية كما قالت خالته، أخذت تلوم نفسها على اليومين التي لم تراه فيها وكان بعيدًا عنها، عانقت طفلها حانية الضلوع لتخبئه عن أنظار العالم كما لو كان مازال داخل أحشائها في آمان، معارك الأفكار تتصارع في تلك اللحظات، كيف ستواجه هي وهو العالم الذي يعاني الكثير من التشوهات الروحية والأخلاقية.

استأنس وسكنت روحه لسماع صوتها، وتقف عن البكاء فهي العالم بالنسبة له روح ملائكية وضعت في هذا الجسد الغير مكتمل الحواس، لا يرى فاقد للنظر إذ لا توجد عيون تلاحق حركاتها تنظر إلى قسمات وجهها فيبتسم ثغره بتبسمها وفرحها ويقطب حاجبيه لحزنها وغضبها، بلا أنف يشم رائحتها ويستنشق عبير أنفاسها، فرائحة الأم تظل داخل الصدر تنعش الرئتين وتوسع الشرايين والقصبات الهوائية باكسحين الحب والحنان، رائحة الجنة بين الضلوع، تزيل الهموم وتُريح الخاطر، جبين في أعلى الرأس مسطحة وجزء صغير من الوجنتين، فم دائري كبير، بلا دقن، موصول بالعنق.

فترة حياته قصير، فهذه الحالات النادرة لا تعيش فترة طويلة، هذا ما قاله الطبيب، فالطفرات الجينية هذه تحدث نتيجة لخلل في انقسام الخلايا، تركت كلام الأطباء جانبًا انحنت على طفلها تُقبله جاعلةً من قلبها المكسور مهادًا ”دللوه يوم أضمك بصدري دللوه“ تمتماتها تربطه بالمحيط الخارجي، فهي حواسه التي حرم منها.

غادرت المستشفى بعد أن حزمت أمرها على التصدي لجميع العقبات والصعوبات، مشت تلملم ألمها بخطوات لاتقاس مدتها بالزمن الذي تلونت بغيمة من غصة خنقت سعادتها، رسمت على وجهها ابتسامة القبول للقدر، أنا أحبك فأنت كل شيء، تحمل طفلها بين دراعيها، لتبدأ مشوار التحدي لحياة طفل يفزع من الخوف كل من يراه، بعد أن هيأت نفسها لمواجهة الانتقادات، الهمس واللمز.

كيف تتقبلينه بهذا الشكل؟ سؤال يتكرر على مسامعها أينما ذهبت، حالة نفور واشمئزاز، تعليقات، وتلميحات، تكسر الخاطر، اعتزلت بعدها العالم حفاظًا على مشاعر طفلها الذي يتأذى عندما تتأذى مشاعرها وتصاب بالضيق جراء تلك التلميحات، روحه مرتبطة بروحها، هو لا شيء يربطه بالعالم الخارجي سوى وجود جسمه الذي يمثل قالب يحوي روحه، عالمه عالم الأرواح والنور الذي هو من نور الله، يسبح في فضاء الرحمة الإلهية، طفل مشوه هو قدري ونصيبي من هذه الحياة التي منحني الله إياه، تخلف عقلي، جسدي، ابكم أصم، ضرير، ليس له وجه فاقد لأعضاء الجسم، يعاني من مرض يرافقه طوال الحياة، هو طفلي وأنا أمه، من أراد رؤيتي، بيتي مفتوحًا يأتي لزيارتي، وهو بكامل انسانيته رحمة لا عطفًا ولا شفقة، محترمًا لقوانين الطبيعة، مؤمنًا بالقضاء والقدر، على الرحب والسعة، القلب أوسع من العين.

شكرًا ملاكي الصغير، لقد جعلت مني أمًا حقيقية بكل معانيها التي لاتقاس، بمقاييس أهل الأرض، وإنما بمقاييس أهل السماء وعالم الأرواح، فرحة الأرواح لا يقابلها شيء، هنئنًا لكل أم عظمية منحها الله طيرًا من طيور الجنة، ونور وبركة ورزق دائم من الله، ".

أمي، أبي أنا طفل مشوه، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو مريض وراثيًا، أحبكما حبًا يملأ الخافقين "، أنا إنسان أمتلك الهوية الإنسانية لست مخلوقًا غريبًا جاء من الفضاء، أخي الإنسان، مجتمعي الإنساني، تقبلني كما أنا، أبيض، أسود، من ذوي الهمم، أيا كان شكلي، أنا لم اختر شكلي ولم أختر وجودي في هذه الحياة ساعدي على تخطي الصعوبات والتأقلم مع الظروف وممارسة حياتي بشكل طبيعي.