ليتني كنت أعلم !!

 كثيرة هي المواقف التي تضعنا في المكان الذي لم نكن نرغب أن نكون فيه ، وكثيرة هي اللحظات التي كنا نكاد أن نخنق أنفسنا فيها من فرط لومنا وحنقنا على ذاتنا ، وسخطنا على أنفسنا لا سيما مع تكرار الموقف ذاته ، وإخفاقنا مرات ومرات في تجاوزه ، أو التعامل معه بوعي وفاعلية توفر لنا شعوراً بالرضا والإطمئنان ، لأننا قد تجاوزنا مرحلة ( اللاوعي ) وبدأنا في إستيعاب الدروس التي تهديها إلينا مدرسة الحياة في كل لحظة تمرُّ علينا ، وإننا قد تأكدنا من إكتمال نموِّنا .

 إن النمو البشري هو عملية تنطوي على التجريب ، والمحاولة والخطأ ، والتي تعتبر من اهم نظريات التعلم في الحياة بصفة عامة ، لأنها تقودك في النهاية إلى الحكمة وكما قال الباري عزّ وجل : ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) سورة البقرة . ففي كل مرة تثق فيها بنفسك وتعتقد انك قد بلغت مرحلة النضج ، لا يمكنك أن تجزم بنتائج المواقف التي تتعرض لها هنا أو هناك ، فأحياناً يُحالفك الحظ ، وأحياناً أُخرى ينتابك الشعور بخيبة الأمل من سوء تصرفك ، أو قلّة توفيقك . ومع ذلك يجب عليك أن لا تتذمر أو تلوم نفسك ، لأن تجارب الإخفاق لا تقلُّ شأناً عن التجارب الناجحة ، بل بالعكس تماماً ، لأن ما تتعلمه من تجارب الإخفاق أكثر بكثير مما تتعلمه من تجاربك التي تتصف بالنجاح .

 غالباً ما يُصاب معظم الناس بخيبة أمل وغضب شديدين عندما تبوء خططهم التي بذلوا فيها قدراً كبيراً من الجهد والوقت والمال بالفشل ، أو عندما تتكشّف لهم حقيقة من أخلصوا له في السر والعلن ، وعاملوه كواحد من أرحامهم ، بل يفوقهم لديه قرباً ، وعناية ، ومداراة . ولا شك أن كان ذلك الإحساس الذي ينتابنا بالفشل أمراً سهل الحدوث والتكرار في حياتنا ، فسوف نخفق في إحراز أي تقدم لتعلم دروس الحياة .

 لذا فبدلاً من النظر إلى أخطائنا الشخصية على أنها إخفاقات ، وأخطاء الآخرين على أنها هفوات ، يمكننا إعتبارها فرصاً للتعلم ، وأنها مطبّات من الضرورة بمكان وجودها في طريقنا الذي نسلكه للوصول إلى الحكمة . وكما يقول خبراء التدريب على الحياة " عليك النظر إلى كل فاجعة تصيبك على أنها حافز ودرس مفيد لك " فكل موقف لا يمكن أن تسلك فيه وفقاً لتوقعاتك الشخصية يُعتبر درساً لتعلم شيئ مهم بشأن أفكارك وتصرفاتك الشخصية ، وكل موقف تتعرض فيه للظلم من إنسان آخر يمثل فرصة ثمينة لتعلم شيئ جديد عن ردود أفعالك ، وسواء كان ذلك الخطأ صادراً عنك أو عن سواك فإنه يُعتبر ببساطة فرصة سانحة لكي تتمكن من إحراز تقدم ملموس في مشوارك الروحي في هذه الحياة التي لا تتوقف دروسها البته .

 عندما تمعن النظر في شدائد حياتك المختلفة " الإساءات ، الخسائر المالية ، الصدمات العاطفية ، الأمراض ، فقد الأحبة ، وكل المآسي التي قد تصيبك – لا سمح الله – وتعتبرها فرصاً للتعلم ، فإن ذلك سيمنحك القوة اللازمة للتغلب على تلك الشدائد ، ويمكنك أيضاً الصمود والمقاومة بدلاً من الشعور بخيبة الأمل وبأنك كنت ضحية . ولن تقول على الإطلاق " لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت " لسبب واحد فقط هو أنك قد إمتلكت " الحكمة " وأدركت لماذا أنت لا تعلم . تحياتي .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
فائق المرهون
[ السعودية - ام الحمام ]: 11 / 3 / 2010م - 2:40 م
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
غبت ولم تغب , حضرت فاخترقت الحضور نفسه , فسلوت قارئا متعطشا , فليتنا كنا نعلم أين كنت !!
عزيزي / إن منهجية ( ليتني كنت أعلم ) إن كانت من باب التعلم ومراجعة النفس والإستفادة من التجارب والأخطاء السابقة كما ذكرتم فلا ضير فيها حقا , أما حين تصبح أداة للتبرير والتدليس ومحاولة تجميل الكوارث كما قال أحدهم لو كنت أعلم لما عملت هذا العمل فهذا ليس علاقة بالمنطق والتفكير السليم الذي أرساه الله وأنبياءه في البشرية .
ولعل الذي قال (لو إني أعرف خاتمتي ماكنت بدأت ) تجاوزها فيما بعد حين استخدم مفردات ( علمني , طهرني , خلصني ) للدلالة على الخروج عن هذا التيه وجلد الذات بلا طائل !
نراك متألقا , في الحنايا وهذا يقين .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
13 / 3 / 2010م - 12:56 م
أخي الفاضل الأستاذ : فائق المرهون
سلام عاطر .... وأعتذر عن الغياب حيث كنت في مهمة .. وأشكر لك لطفك ، وحُسن معشرك . وأتفق معك فيما ذهبت إليه بأن لا تكون منهجية ( ليتني كنت أعلم ) أداة تبرير للهروب من المسؤولية ، أو شماعة لتعليق الإخفاق في بلوغ الهدف . إنما المقال في مُجمله يحث على الإستفادة من الدروس التي تمنحنا إياها الحياة ، والتحلي بالصبر على المكاره . سلمت لأخيك بيان يخترق الضباب . تحياتي .
3
ام سيد جعفر السادة
[ ام الحمام - القطيف ]: 16 / 3 / 2010م - 1:27 م
أستاذنا الفاضل (ليتني كنت أعلم ) هي حكمة بالنسبة لي تعلمت منها الكثير وأنارت لي دربي من جديد . أخيرا أيقنت أن في مدرسة الحياة لا بد أن نعمل delete حتى نصل إلى القمة ,نفلتر حياتنا من كل المعوقات ومن كل من لا يستحقون أن نتخلف في القاع من أجلهم بصفاء الذهن ,وبوجود الإطار في النهاية نحن من نحدد إما القمةو إما القاع فمرحبا بأهل القمة ووداعا لأهل القاع .رعاكم الله تعالى
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية