التحرش الجنسي في مدارسنا !

عبدالله فاران

صرخة من أعماق الضمير الوجداني, و نداء استغاثة للجان التعليمية والمسؤولين عنها في مجتمعاتنا العربية. في مدارسنا يقبع الشذوذ الجنسي بين الطلاب تحت غطاء الصمت أو التكتيم في بعض الأحيان , فأخذت تلك الممارسات حالة من التكيف في  المجتمع المدرسي, بين الطلاب أنفسهم تارة , أو بين المدرسين والطلاب تارة أخرى, وأعني هنا كلا الجنسين, الأولاد والبنات.

ولو بحثنا عن السبب الرئيس في ظهور هذا الشذوذ وانتشاره بين الطلاب والطالبات نرى أن الأخلاقيات الفاسدة التي أفرزتها ثقافة التغريب والانحلال التي انتشرت من خلال بعض الأفلام والمسلسلات والبرامج الهابطة هو سبب محوري لهذا الشذوذ الحاصل. بالإضافة إلى بعض النفسيات المرهقة عاطفيا وأخلاقيا من الشباب والشابات هي سبب آخر مؤثر أيضاً.

مما لا شك فيه أن ظهور هذا النوع من الشذوذ يمثل تحديا للدين والعرف والمجتمع الملتزم الذي نتبع له, فظهور مثل هذه النماذج من الطلاب الشاذين يمثل حالة من الفساد الفظيع في أهم شريحة من شرائح المجتمع وهي الشريحة الشبابية ( من شباب و فتيات) , ومع ذلك لا نجد الناهي عن المنكر أو الآمر بالمعروف أو حتى الواعي المرشد في هذا الصدد إلا ما شذر وندر. فليس من العيب أن نتكلم في هذه المواضيع حتى نحمي أنفسنا و أبناءنا وإخواننا وأخواتنا, لكن العيب هو عندما يقع الفأس في الرأس وتحدث المصيبة وتنتشر الفضيحة, ونحن بمرآى ومسمع!
وكثيرة هي النماذج المطروحة والتي عايشناها و يعايشها الطلاب والتي تعج بها صحفنا من أحداث و ممارسات غير أخلاقية في المدارس أو ما يتبع لها , و مثال ذلك قضية وحش الدمام الأخيرة , حيث تمت حوالي 200 جريمة اعتداء جنسي على قاصرات وبالغات,  وغيرها من عمليات الاغتصاب تحت تهديد السلاح الأبيض و أخرى داخل المؤسسة  التعليمية (المدرسة), حيث تنقل إحدى الطالبات دخولها إلى غرفة المعلمات و مشاهدة إحدى المعلمات مع طالبة في وضع مخل بمفردهما  في إحدى مدارس الرياض, والكثير الكثير مما لا يفصح عنه  ويبقى في طي الكتمان وربما يكون ما خفي أعظم وأشد وأنكى.

وهنا تتضح أهمية  الدور الإداري والإرشاد الطلابي لدى المدارس في حل هذه المشاكل بشكل ملائم و ذكي, حيث أن مهمة الإرشاد ما عادت سهلة كما كانت قديماً, فهي مهمة صعبة خصوصاً في ظل التحديات المعاصرة والانفتاح الإعلامي فيجب أن تُتقبل كل الاستفسارات وتُحتوى كل الفئات المراهقة بنوع من الحكمة والدراية.

للجادين فقط :

وبما أننا نعرف الخطورة المحدقة بأبنائنا و إخوتنا وأخواتنا الطلاب والطالبات داخل أسوار المدارس, بين جدران الصفوف الدراسية, ودورات المياه المدرسية... فهناك بعض الحلول التي يجب المبادرة بالعمل لتحقيقها وهي من أهم المحاور التي بإيجادها نحد من هذه الظاهرة:
 
أولاً: إن الفراغ العاطفي الذي يعيشه الطلاب في البيوت هو سبب من أسباب انسياقهم لفعل الرذيلة في مجتمع آخر يعيشه وهو المجتمع المدرسي, فكثير ما يعيش الآباء والأمهات بمنأى عن أبنائهم لعمل أو لغيره, ويتركون تربية الأبناء و توفير احتياجاتهم على الخادمة والسائق! ويعطونهم الثقة التامة مع أن هذه الخادمة أو ذلك السائق مجهول الماضي و قد يكون مجهول المستقبل أيضاً, فعلى الآباء والأمهات أن يوفروا ويشيعوا نوعاً من الحب والعطف داخل البيت ويتركوا الخشونة والجفاء حتى يملؤا ذلك الفراغ فيصرفوا عن أبنائهم مشكلة الانصياع لمن يقدم لهم كلاما معسولاً خارج جدران البيت. كما يجب عليهم المتابعة البيتية بينهم وبين المدرسة مع القسم الإرشادي أو التعليمي في المدرسة.
 
ثانياً: التثقيف المدرسي من قبل المعلمين والكادر الإرشادي في المدرسة بهذا الخصوص و تقديم دورات وورش عمل للطلاب في كل فصل دراسي يكون هدفها التثقيف حول هذه القضايا, وطباعة دليل حول كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات, حتى يتمكنوا من الثبات عند أي محاولة من التعدي عليهم.  بالإضافة إلى تقديم بعض الأفكار التي تعرّف الطلاب بحقوقهم أثناء تعرضهم لأي تحرش.

ثالثاً: التعامل الصارم مع المتحرشين من قبل الإدارة بدلاً من تجاهل هذه الحالات أو الاكتفاء بتوبيخ الطالب دون إبلاغ ولي أمره بذلك, فإشعار الطالب المتحرش في المجتمع المدرسي بشناعة العمل الذي قام به في المدرسة سوف يحد من انتشار هذه الأعمال بشكل كبير.
 
رابعاً: تفادي مصاحبة أشخاص مُسخ حياؤهم و فسدت فطرتهم -أظن أنهم نتاج لأسر متفككة و مشكلات معقدة- حتى لا ترمى بعض العبارات القادحة وغيرالمؤدبة التي تسبب ميلان حول ارتكاب الفاحشة و خصوصا للطالب الذي يلحظ تقرب مثل هذه النماذج منه بشكل متمايز عن الآخرين.
 
خامساً: اتحاد كل من الآباء والأمهات والخطباء والمثقفين والكتّاب وغيرهم في العملية التنويرية والتوعوية لاستئصال هذا الوباء وهذه المفاسد حتى نحمي الجيل الصاعد من الانزلاق في مهاوي الرذيلة السحيقة.

إن مجتمعنا يستحق أن يكون أفضل مجتمع بما يتوفر فيه من الوعي والحراك الثقافي المميز, لكن هناك فئات غير واعية. فوظيفة كل واعٍ أن يتحرك ويبدد الظلمات عمن يعيش في ظلمات الجهل حتى نحمي أنفسنا ونمهد الطريق لأجيال قادمة ستعيش في هذا المجتمع بشكل صحيح و مناسب.