رجالات المحاور

من الطبيعي بمكان أن يتمحور الناس حول القيادات الإجتماعية المحلية ، ومن المقبول أيضاً أن يحظى هؤلاء القادة المحليون بالثقة والإحترام ما داموا قائمين على خدمة المجتمع ، ويمثلون قناة الوصل الفاعلة بينهم وبين مختلف الأنساق والأشكال الإجتماعية الأخرى ، سواء في ذات المجتمع الذي يعيشون فيه ، أو في المجتمعات التي تقع خارج إطار الجغرافيا الإجتماعية الخاصة بهم .

هؤلاء القادة المحليون لهم ثقلهم الملموس على أرض الواقع الإجتماعي بشكل أو بآخر ، ربما يخفُّ وزن أحدهم هنا ، ويثقل هناك وبالعكس ، ولكنه لا يتصف بالعدمية على الإطلاق . ففي كل مجال نجد من تأمنه الجماعة على مصالحها ، وترى فيه خير ممثل لها في المناسبات المختلفة ، بل وتتأثر بوجهة نظره تجاه الأحداث سلباً أو إيجاباً . 

كما أن القيادات الإجتماعية المحلية ، أو من يُعرفون بإسم ( الأعيان ، أو الوجهاء) يملكون تأثيراً كبيراً في المجتمع المحلي لأنهم الأكثر إرتباطاً بالنسيج الإجتماعي من حولهم ، والمطلعين على تفاصيل تفاعلاته الداخلية ، والبينية ، والخارجية ، كما أنهم يمثلون ( قادة الرأي ) الموجِّهة لفكر الجماعة ، من خلال الإنسياق الطوعي لتوجيهاتهم ، وطريقتهم الإجتماعية .

إلاّ أن المراقب البسيط لما يدور على الساحة الإجتماعية في مجتمعنا المحلي ، لا يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لإكتشاف حقيقة وضع بعض تلك القيادات ، ومستوى الإحتقان الذي يسيطر على قنوات الإتصال فيما بينها ، فما أن تتعدد الرؤى حول قضية ما ، أو تختلف وجهات النظر نحو موضوع عام ، حتى تعم حالة من التجاذبات العسيرة التي تتجلى علاماتها فيما يُكتب على شبكة الإنترنت ، أو في صورة أُخرى من صور الصراع الإجتماعي دون رحمة ، كالمقاطعة ، والتشويه ، والتعميم ، والحذف ، وغيرها من أساليب العزل الإجتماعي البغيض .

إن الإنسان يتفهم أن الصراع شيئ حتمي في حالة غياب التفاهم والإنسجام بين مكونات النسق الإجتماعي العام في أي بقعة من المعمورة ، كما يتفهم المرء أنه يحدث أيضا نتيجة لوجود حالات من عدم الرضا حول إدارة الأمور التي تخص المجتمع لا سيما إذا كانت تتعلق بثقافته المحلية ، لأنه يرى فيها الحارس الأمين لوحدة وتماسك الجماعة في وجه الأخطار التي تهدده يمنة ويسرة ، وتُخطط – كما يعتقد – لتدمير نسيجه الإجتماعي ، وتعمل على تفكيكه أو إذابته في النسق العام المسيطر ، سواء في إطار الجماعة ذاتها ، أو في محيط الجماعة الأوسع .

والحال كهذا فإن الحل يكمن في  انتصار العقل على العاطفة لكي نرتقي بمستوى وعي الفرد وعدم انصياعه للعوامل الكامنة في ذاته ، أو الضاغطة عليه من الخارج لخوض التنافس أو الصراع الاجتماعي لصالح هذا الطرف أو ذاك ، ولكن أيضاً لمستوى الوعي ذاته درجات متباينة فإن كانت درجاته متدنية يرتد الفرد مباشرة إلى عواطفه عند إحداث خلخلة أو استفزاز مباشر لمشاعره مما يكشف عن ضحالة مستوى الوعي . وبخلافه حين تكون درجات الوعي مرتفعة فإن الفرد لا يتأثر بحالة الخلخلة والاستفزاز لمشاعره وليس من السهولة إرتداده إلى عواطفه لأنه يحتكم في قياس الأحداث الجارية إلى عقله ، ولكن ما العمل إذا كانت ذاته مخطوفة من قبل ( الرموز الثقافية ) أو ( رجالات المحاور ) فتلك يا أعزائي مصيبة أخرى . تحياتي .  

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
فائق المرهون
[ القطيف - ام الحمام ]: 1 / 7 / 2010م - 1:50 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
إن سياسة المحاور لم تنتج للبشرية سوى الكوارث وغياب الديمقراطية وحلول الإستبداد مكانها , والحال نفسه مع التصغير في المجتمع المحلي فهل يمكن لفرد ما الخروج عن المنظومة السائدة علانية ؟
وهل المطلوب للخروج من حالة التخندق لمحور ما باتباع المواربة أو الصمت ؟
ماذا لو وجدت التعددية الثقافية والفكرية ولم يعد هناك الصوت الواحد ؟ ماهو حال المحاور حينها ؟
كم أغبطك على مصطلح ( الخطف ) الذي أراه معبرا بدقة عن حال مجتمعنا اليوم , فهو مخطوف بإرادته نحو التزمت أو الإنفلات .
عزيزي / كم سعدت بلقاءك العابر , فلك كل المودة على جميل لطفك ودماثة خلقك .
2
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 1 / 7 / 2010م - 3:06 ص
اللأستاذ الفاضل / أبو علي
رجالات المحاور اشبه بنار الشتاء تستتأنس بدفئها عن بعد و لكك بمجرد أن تتقترب منها تحرقك بلهيبها و تشعر بقساوة حرارتها . سيدي العزيز عندما تراقب الانجازات الاجتماعيه يبهرك هذا الانجاز واو ذاك و تصبح سعيدا و فخورا و تكن احتراما لهؤلاء القيادات و لكن من المحزن عندما تتقترب من هؤلاء يظهر لك الوجه الحقيقي و تتضح لك مدى الصراعات التي تعاش داخل هذا التنظيم أو ذاك و كل يجر النار الى قرصه ليسجل رقما جديدا يضاف الى سجل انتصاراته و هنا اتفق معاك مهم أن يحكم العقل و أن تكون حياديا و أن لا تساهم في اشعال فتيل الفتنه . و اخيرا و ليس بأخردمت لنا رجلا مفكرا فاعلا لا تقيده المحاور .
3
ابراهيم بن علي الشيخ
1 / 7 / 2010م - 11:49 ص
أخي الفاضل : الأستاذ فائق المرهون
تعليقك الرصين كان في غاية الأهمية ، لأنه لامس الواقع المعاش ، وأوضح الصورة الفاضلة التي يجب أن يكون عليها . ألا وهي ( التعددية الثقافية بعيداً عن سياسة المحاور وتبجيل الأفراد ) ولكن ما العمل إذا كان ( التخندق ) هو بوابة العبور للإعتراف الإجتماعي . أسعدتني طلتك البهية لا عدمتك .
4
ابراهيم بن علي الشيخ
1 / 7 / 2010م - 11:59 ص
أخي الحبيب : المستقل
كأنك في طيات تعليقك تعبر عن خبرات مريرة من حالة الإصطفاف اللامعقول الذي يخيم على المناخ الإجتماعي ، ووصفك البديع ( نار الشتاء ) يعكس فصلاً آخر من فصول القضية التي أخشى أن تُستحسن فيذوب السلوك الحسن . سُعدت بعودتك التي أيقظت الكلمات . مودتي .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية