علاقة المثقف والمجتمع وقفة مع اليوسف والعلق

 

ثقافة الاستبداد تعني الهيمنة على العقول الفكرية، وتكوين جبهة سلطوية، الغاية منها مصادرة حرية الرأي، وجعل أصحاب الأقلام المثقفة تدور في فلك السلطة، وتتمحور حولها، وتخلق أيدلوجيات قمعية ذات مفاهيم مشبوهة تقف على أفكار تزيفية.

والمثقف أساسا يجب أن يكون ملتزماً بقضايا الجماهير، يتعرف على احتياجاتها وإمكانياتها والطاقة المدخرة فيها، ويعمل في ذات الوقت بالفكر وبالممارسة على الموازنة بين تلك الإمكانيات والاحتياجات مع ترتيب الأشياء بأولويات وثانويات حتى لا تستهلك طاقات الجماهير وتضيع هدرا في مسالك غير مسالكها الطبيعية[1] .

لهذا التكيف على احتمالية حجز سريراً في السجن هو شرط "تحرر القلم" لدى المثقف من حواجز الخوف وانطلاقهُ نحو عالم "الحرية الثقافية" الحقيقية.

 فالمثقف المسجون ليس من أحتجز جسده داخل أروقة السجن، بل في الحقيقة هو ذلك الذي يقبع خلف حائط الخوف مانعاً قلمه عن قول الحقيقة ومبتعداً كل البعد عن قضايا الشارع والجمهور يتخاطب مع نفسه وكأنه يعيش حالة نفسية صعبة، هذا النوع من المثقفين في الحقيقة هو الذي يفرض على نفسه سجنا أبدياً لأنه أسير خوفه من القمع.

أكتب هذه الكلمات بعد أن دغدغت مشاعري معزوفتا الأستاذين حسن آل حمادة وعبد العزيز آل زايد وهما يترنمان في خيالهما برجفات الشاي وهم يعيشان منتهى الحرية ومصداقها في آخر ما نسجا من معزوفات أدبية حرة معلقين بمقالتيهما على اعتقال الكاتبين أ.حسين العلق وأ.حسين اليوسف.

مسافة بين المثقف والمجتمع:

وما ذكرته في بداية المقال هي مشكلة واقعية يعيشها الكثير من المثقفين، وهناك مشاكل كثيرة لعل أهمها أيضاً هو المسافة التي يضعها بعض المثقفين عن عامة الناس، وهذه المسافة إما تكون فكرية أو نفسية، أو تجمع الحالتين.

وهنا يقول المرجع المدرسي(دام ظله) في كتابه النهج الإسلامي: "من المشاكل الرئيسية في بلادنا إن لغة المثقفين هي فوق مستوى لغة عامة الناس، ولذلك فان من يتثقف ينفصل عادة عن الجماهير ثقافيا ولغويا بل وحتى بيولوجيا، فنراه يتكلم بموضوع يهم الجماهير ولكن بلغة أخرى لا تفهمها هذه الجماهير، فلا يصغي إليه احد".

إن الرجل المثقف دائما يتحدث مع الإنسان العادي بمصطلحات أكاديمية أو أجنبية أو يأتي بأمثلة قرأها في كتب علماء الاجتماع والثقافة الغربيين، وبالتالي فالإنسان البسيط لا يفهم ما يقوله هذا المثقف بل يأخذ نظرة على أن المثقف شخص غير مندمج بالمجتمع الذي يشكل الإنسان البسيط غالبيته الساحقة، فيكون كلام المثقف في اغلب الأحيان غير مقبولا أو محط ازدراء وعدم اهتمام.

لهذا فإن المثقف الحقيقي والواعي والناجح هو من يستطيع أن يتواصل مع الناس ويحركهم ويعيش معهم همومهم، ويستطيع أن يعبر عن صورة مجتمعه بشكل جميل، وفي هذا المقام أثني على الكاتبين الشجاعين الأستاذ حسين العلق والأستاذ حسين اليوسف والذين أثبتا بأنهم لا يتحدثون من فوق أبراج عاجية، بل يتشاركا مع مجتمعهم همومه وتحركاته دون خوف من الاعتقال، وحتى استجابتهم لدعوة التظاهر تأتي لتعطي صورة بأن المثقف يتأثر بشجاعة مجتمعه، وأنه لا يقف موقف المتفرج بل يعيش تلك الأجواء ويتأثر بها ويتأثر بشعاراتها العفوية التي تنبع من واقع مأساتها وألمها.

ولعل ما قاما به الأستاذين شجاعة تفوق شجاعة الجميع، وأعتقد بأن هذه الشجاعة تدفع أطياف المجتمع لكسر حواجز الخوف والرهبة، وأن خيارات القمع باتت لا تهيب الناس.

نسأل الله أن يفرج عن معتقلي الكلمة الحرة وعن سجنائنا المنسيون، وأن يوفق الأمة لتحرر من أغلالها، ويوفق العلماء لرفع الإصر عن الناس.