فيلة في سيرك الوطن .. و أحرار في شارع الثورة

ما قيمة الجسد بدون روحه؟ هل تتخيل معي أن أسداً يجلس في عرينه و هو جثة هامدة لا روح فيه ترميه القردة و ترفسه الحمير و تحوم عليه الديدان و الدبان و هو لا يستطيع أن يرهب بعوضة بجسده البالي!!

الحياة بدون حرية كالجسد بلا روح، فالأسد في بلاد القمع يصير كالفيل في السرك، مربوط بحبل ضعيف إن هز رجله اسقط ما حوله، إلا أنه قبل بواقعه الذي استسلم عليه منذ أن كان صغير البنية، و لم يستوعب إمكانياته التي وصل إليها، بل أستسلم لواقعه القديم.

و الحرية غاية سامية و هدف قيم ترخص الأرواح لأجله، كيف لا و قد قدم فلذة كبد الرسول(صلى الله عليه و آله)و روحه و نفسه، قدم نفسه المقدسة فداءً للكرامة و الحرية، و صار نداء كربلاء يدوي في قلوب كل حر متوق إلى الحرية.

 فهذا غاندي يتعلم من الحسين كيف يكون مظلوم فينتصر، و هذا مارتن لوثر كينج يتعلم كيف أن النصر يكون بقدر التضحيات، وغيرهم من أحرار العالم الذين اختاروا معسكر الحسين(عليه السلام) على معسكر ابن زياد، لأنهم عرفوا بأن معسكر ابن زياد هو موت لا مفر منه و إن سلمت الأجساد، و أن معسكر الحسين و إن ماتت الأجساد فالأرواح مخلدة للحق و للحرية و للتاريخ.

لم يتقاعس أصحاب المولى أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) عن نصرته، بل جاهروا بذلك علنية، دون خشية من أجهزة القمع و الجور و الظلم، بينما نرى في بلادنا الفيلة التي ارتدت جلباب الدين هاهي تعمل في سيرك الوطن، تحت مبررات عديدة، و لا عجب لو رأيناها تحاول تشويه صورة المظلوم و الشهيد لتبرر جرائم أسيادهم، أولم يكن سيد الشهداء قد تعرض لذلك التشويه فقالوا عنه: إنه قتل بسيف جده، ونشروا في عرض البلاد وطولها إنه خارجي، وكانت مئات الألوف من المنابر التي أقامها النبي للدعوة إلى الله، تبث الزيغ والتبرير، والتحريض على المجاهدين الأوفياء لدين الله، وضد أبي عبد الله الحسين عليه السلام بالذات؟

و لكن هل يكتفي ربَّ السِرك بفيلٍ أو فيلين ليمرر عرضه الخرافي الذي شَبِع التاريخ من رواية أمثال تلك العروض المتكررة؟!!

 سيرك الأوطان كبير، و عروضه مستمرة، و متنوعة، و لكن غالباً  ما تكون هذه العروض ليس لها طعم، و رغم أنها قد تكون محبوكة بشكل جيد، إلا أنها لا تنطلي إلا على من يريد أن يستغبي نفسه، أو أن يعيش كالفيل، يستصغر نفسه، و قدرته، و طاقاته، فيبقى عبداً لأرباب السرك يحركوه كما يشتهون.

الشباب المؤمن الذي يعايش ثورات التغيير من حوله لا تنطلي عليه اليوم عروض السيرك الوطنية، و صارت أحجام الفيلة المشاركين فيه كالجثث الخاوية من الروح، لا يأخذ منها إلا نتانتها و عفونتها، و صارت ألوانها لا تغريهم، بيضاء كانت أم سوداء، معممة أم مطرزة عباءتها بحلي فاخرة، تأزرت بإزار التجار أم الفقراء، ما عادت هذه الزخرفات تغري لتخدع منهم داخل السيرك الوطني، لأنها صارت في عيون الشباب لا قيمة لها، فهي حجم بدون أي قيمة.

و صار الشباب المؤمن يهوى أن يناضل كالأسود الحية، تحارب لكيلا تستعبد، لا تستسلم لواقع العبودية كما أستسلم الفيل في السيرك؛ فقبل الموت و هو حي، بل هي تُناضل من أجل حريتها و كرامتها، و تقرأ سير المناضلين فتستلهم من بطولاتهم و تضحياتهم، كالحر الرياحي، و مسلم بن عوسجة، و القاسم بن الحسن الذي وصف الموت كشربة العسل فداءً لقيم السماء و عدالة السماء و قيادة السماء. الأحرار يستلهمون من مواقف هؤلاء، يستلهمون منهم روح التضحية و الفداء، فيسترخصون أرواحهم كيلا تستعبد و يستعبد الطاغوت الأجيال التي ستأتي من بعدهم، فيضعون حداً لهيمنته و طغيانه. بل إن مماتهم لأجل حريتهم لهو الحياة الحقيقية و الأبدية.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا أسود تقاتل لأجل حريتها، و أن لا يجعلنا فيلة مستعبدة، أو أتباع لتلك الفيلة؛ ننخدع بمنظرها و صورها.