الصداقة بين الكتاب والإنسان


 

 

أخي القارئ العزيز نعم بإمكانك اتخاذ قرار حازم بينكَ وبين روحكَ المتعطشة للمعرفةِ والعلوم وليس بينكَ وبين نفسك الهزيلة الأمارة بالسوء التي قد تُصاب بالانهزامِ في مقابلةِ الكتاب والقراءة بأنك تبدأ من يومكِ الذي أنت فيه بتزويد تلك الروح الإيمانية بالعلوم الربانية والعقدية والدنيوية والثقافية والسياسية والرياضية عامة التي تفيك في دنياك وآخرتك وتمتصها وتجمعها من القراءة والمطالعة والاستماع وستكتشف بعد برهة زمنية قدرتك على الاستمرارِ في عشقِ الكتاب والحروف والنقاط التي ستشفيك من الكثير مما تعاني منه من الفراغ الروحي والوجداني والأنوي والتعب النفسي والأمراض الجسدية والروحية، وستخلصك القراءة حتمًا من الهمومِ التي تتراكم على نفسك وتزداد بسبب الفراغ والحياة غير المسئولة وغير المنضبطة بالبرامج اليومية التسلسلية الهرمية والتنظيمية بين ساعات الجد وساعات الهزل وساعات الراحة وساعات العمل والنوم والقراءة، وستكتشف دواءك وراحتك وسعادتك مختبئة بين السطور في الكتب التي تتغلغل فيها واحدا بعد واحد وفي كل مسألة تتعرض لها ولا تجد من يخلصك منها ستجد نفسك حكيمًا ومستشارًا وفهيمًا فيها بسبب القراءة

وستخرج بالحل من بين السطور بعد تراكم المعلومات والمعارف عندك وتصبح ممتلكا مخزونا ثقافيا يعينك ويشرح صدرك، وتعود إلى صديقك الكتاب متى ضاقت عليك الدنيا وخصوصًا كتاب الله الكريم الذي فيه الشفاء وفيه الراحة وفيه التسلية وفيه العبرة وفيه الغنى وفي النجاة من النار وفيه الطريق إلى الجنة، والذي يقول الله فيه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

فالكتاب كورق وكحروف لا يحتاج للإنسان إطلاقًا سواءً اشتراهُ الإنسان وقرأه أم لم يشتره ولم يقرأه، والإنسان هو المحتاج والمضطر إلى شرائهِ واستخدامهِ وقراءتهِ كما هو شأن الدواء والماء والهواء في هذا الكون ولا غنى للإنسان عنهم وإذا لم يستخدم الإنسان الدواء والماء والهواء هلك، والدواء ينقسم إلى عدة أقسام منها ما هو دواء للروح ولا غنى للروح عن الدواء الذي يطهرها ويزكيها ويريحها ويربيها وينميها وينبتها على منبت السلام، ومنها ما هو للنفس وللذات، والذات بحاجة إليه ولا تجد نفسًا سليمة من العلل والأسقام التي تكتسب بالعدوى من المخالطة بالناس كما تكتسب الأمراض الأخرى، فتحتاج النفس إلى علاجٍ ومداواة وعلاجها لا يأتي بالمواد الصناعية أو بوصفة الطبيب البشري بقدر ما هي بحاجة إلى طبيبٍ روحي من نوعٍ خاص يتفهم مطالب الروح ويخاطبها ويسليها ويكون لها أسوة وهذا العلاج والدواء تجده في الكتاب والقراءة في الكتب الدينية خاصة التي تخرج منها وأنت متزود بالعلم وبالمعرفة والموعظة والنصيحة والتوجيه والإرشاد والفهم والحكمة وهذه بمثابة الدواء الذي يصفه الطبيب: يقول عزَّ وجلَّ: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ .

 ومنها ما هو للجسد، والماء ينقسم إلى قسمين: قسم لإيجاد الحياة، وقسم للبقاء على قيد الحياة، والهواء كذلك ولو جمعنا الدواء والماء والهواء ومزجناها مع بعضها وعالجنا بها الإنسان لكان علاجه بالكتاب والقراءة أفضل وأفعل لعلاج الروح والنفس والذات والجسد من الدواء الصناعي وأسرع فاعلية في الروح والنفس والذات من أي علاج كيماوي نقدمه للمريض لكننا جهلنا طريقة استخدام الكتاب وطريقة المعالجة والمداواة به ولو تأملنا في العلماء الربانيين والشعراء والكتاب والمفكرين كيف يتغلبون على فقرهم وضعفهم ومرضهم وحاجتهم بالقراءة وبالقلم الذي يجعل الروح تحلق وترفرف في واد من أودية السلام والاطمئنان والارتياح والمرض والمشاكل في واد آخر.

وكما تداوي جسدك وتذهب للطبيب إذا تعرضت للمرض أنت بحاجة للكتاب الديني والثقافي والأدبي الذي فيه دواء الروح، وقد أثبتت التجارب مفعول هذا الدواء وهذا العلاج للشفاء من الأمراض النفسية والروحية والجسدية للعديد من المرضى والانعزاليين الذين دخلوا في متاهة الهموم والعلل كيف كانت القراءة علاجًا مجديًا لهم وخلاصًا من الأمراض، وكما القراءة علاج كذلك هي غذاء للعقل والروح والنفس وأغلبنا يفتقد هذا الدواء ويتجاهل استخدامه واقتناءه ولا يحن إليه وهو بين يديه بسبب انتشار الغذاء والدواء المزيف الذي يزيد علة الروح والنفس والجسد أكثر من أن يشفيها وهو الإعلام المرئي والمسموع ووسائله المنتشرة التي تختار من العلوم ما يخدمها ويزيد في ربحها ومصالحها ولا عليها من المستمع والمشاهد إن استفاد أم لم يستفد، بينما في الكتاب تجد ضالتك وفائدتك ومصلحتك لأنك أنت الذي تختاره، وأنت الذي تنتقيه، وأنت الذي تقصده، وهو الذي يفيدك ويربيك ويحسن قيمك وأخلاقك وسلوكك، وقارن بين شخصين: شخص يقرأ ويبحث عن العلم والمعرفة، وشخص يفتقد الكتاب والقراءة، فإنك ستجد فرقا بين الشخصين ما بين الثريا والثرى، فالشاب الذي يقرأ ويتعلم يكون أكثر إيمانًا وتدينًا وأمينًا وصادقًا وأقل ضررًا وأقل خيانة وأقل سوءا وأقل اعتداء، بينما الشاب الذي يبتعد عن القراءة والعلم والأدب يقع في الكثير من الشبهات ويسلك طرقا ملتوية منحرفة ويفتقد الكثير من الضوابط الدينية.

قد كان عندي صديق شاب في الثمانينياتِ من القرنِِ الماضي يعشقُ الكتاب ويحبهُ كحب المراهقين وكان الكثير من أصدقائنا يضحك منه ويسخر حين كان يتنقل بكتابه بين الأصدقاء وبين البيت والمسجد وهو لا يبالي بسخريتهم ولا بضحكهم وظل يقرأ ويقرأ بصمت ويتصفح بصمت ويستمع للمزيد من المحاضرات الدينية بصمت وبنى نفسه وذاته بالعلم والمعارف وبعد زمن طويل من القراءة أصبح ذلك الشاب عالمًا بغيرِ تعليم وعلم نفسه بنفسه ومتكلمًا وخطيبًا وكاتبًا ومرشدًا وأكمل دراسته بامتياز وتفوق ومن كان يسخر منه ويضيع وقته في اللعب واللهو ومشاهدة الكرة والسخرية أصبح لا شيء وإن حصل على الشهادة المدرسية إلا أن القارئ أصبح ذا شأن وذا مكانة مرموقة وله احترامه وشخصيته بين الناس ومن سخر من الكتاب والقارئ ظل يقابل التلفاز وهو أعمى وفي الآخرة يظل أعمى، وعبادة الأعمى تختلف عن عبادة العالم، يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) .

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة، وسلاح على الأعداء، وزين الأخلاء، يرفع الله به أقوامًا يجعلهم في الخيرِ أئمة يقتدى بهم، ترمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم، ترغب الملائكة في خلتهم، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم لأن العلم حياة القلوب، ونور الأبصار من العمى، وقوة الأبدان من الضعف، وينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة. بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه، يلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء) .