حديث المغتربين(4): (الكتاب) رفيق الغربة

 

 

يقول الفيلسوف السويسري جان جاك روسو في كتابه ” الاعتراف ” وهو عمل في السيرة الذاتية :” بدأت أشعر قبل أن أفكر، وهو قدر الإنسانية العام، وقد جربت ذلك من غيري. فقد كنت أجهل من أنا إلى حدود 5 أو 6 سنوات. ولا أعرف كيف تعلمت القراءة وأتذكر أن من تأثير مطالعاتي الأولى أنني بدأت أعي ذاتي منذ ذلك الوقت. إنّ أمي تركت مجموعة من الروايات وقد بدأنا، أنا وأبي نقرأها بعد الغداء”

عندما بدأ روسوا القراءة  ابتدأ يعي ذاته، يفهم مشاعره، بعبارة أوضح يحرك عقله، فالقراءة غذاء العقل و الروح، لهذا نجد كتاب الله  يدعوا المؤمنين للتفكر و التدبر بقوله (إقرأ)، و يعلمهم بأن القراءة يجب أن تكون بتعميق الفكر لفهم حقيقة خلق الإنسان و النور الذي أودعه فيه فميزه عن باقي المخلوقات، فالإسلام مازال يحث على التفكر و التدبر حتى قال تفكر ساعة خير من عبادة سنة مستحبة.

فالكتاب و القراءة بالإضافة لكونها ضرورة إنسانية تساهم في التربية الذاتية للإنسان، كذلك هي رفيق و صديق في الغربة، يقول شوقي:

أنا من بدل بالكتب الصحابا..........لم أجـد لــي وافـيــا إلا الكــتابا

صاحب إن عبته أو لم أتعب....... ليس بالــواجد لـلـصـاحب عــابا

كلما أخـلقـتـه جـددنـــــــي...... وكساني من حلى الفضل ثيابا

صحـــبة لم أشــك منـها ريبـة...... ووداد لم يكــلـفـنــي عــتــابا

و يقول أبو الطيب( و خير جليس في الزمان الكتاب).

 فالقراءة تعتبر رياضة تحسن طريقة التفكير و الكلام و الكتابة، كذلك تكسب الإنسان ثقافة تجدد له الحياة عبر فهم واقعي اكبر، فالإنسان الخبير في تخصص معين، لاتغنيه خبرته و ثقافته في (الكهرباء) مثلاً إلا في مجال ضيق في حياته و هي الحياة العملية التي يراد منها جني الأموال، فالإنسان يحتاج ايضا للثقافة العامة في شتى المجالات المعرفية و الثقافية، كالأدب مثلاً لما فيه من عذوبة و صفاء و لذة في الكلام.

في إحدى محاضراته يقول أستاذي سماحة الشيخ علي هلال الصيود "بأن أفضل طريق لتحريك العقل و تغذيته هي في قراءة القرآن و التدبر في آياته"، لهذا كان سماحته يحرض الشباب المقبلين على سن التكليف الشرعي لضرورة أخذ دورات في التدبر في القرآن الكريم و فهم آياته الكريمة، كما أن المتأمل لسيرة مراجعنا العظام، يجد أنهم أول ما تعلموه هو القرآن الكريم، ففي سيرة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله)  أنه كان يتعلم القراءة و هو في السن الثامنة من القرآن الحكيم ، ويتعلم الكتابة من خلال كتابته للأحاديث الشريفة والأشعار النافعة .

و هنا أحيي الأستاذ حسن آل حمادة الذي كتب كتاب بعنوان (العلاج بالقراءة) و الذي بين فيه أهمية القراءة و دورها في التنمية الفكرية، و ركز في كتابه على ضرورة خلق مجتمع يهتم بالقراءة، كما أن الأستاذ آل حمادة لم يكتفي بكتابه هذا للترويج و التبشير لثقافة القراءة، بل إنه يمارس هذا في حياته العملية، فهو يروج لثقافة القراءة في كل محفل و مناسبة يكون له فرصة في ذلك، حتى صار اليوم أكبر رمزاً و صديقاً لتقافة القراءة و المطالعة في بلادنا، و أنا أستمتع كثيرا في قراءة كلماته الجميلة سواء في صفحته في الفيس بوك أو في مقالاته القيمة التي يحث فيها طلابه و مجتمعه على ممارسة القراءة.

يقول المرجع المدرسي(دام ظله): ان العقبات التي تعترض طريق التفكير كثيرة، ومن أبرزها ظاهرة قلة المطالعة، والاطلاع على المعلومات والأخبار الجديدة والمطالعة قد بلغت في العصر الحديث درجة من الأهمية والضرورة بحيث اننا نستطيع ان نقول ان الذين لا يمارسونها في عصرنا الراهن عليهم أن لايعيشوا ، وان يحسبوا أنفسهم في عداد الأموات .

فعصرنا هذا هو عصر العلم والمعلومات، والعلم لا يمكن ان يعرف إلا من خلال القراءة والمطالعة، ومن الأفضل للإنسان الذي لا يطالع ان يموت ، أو إن يبتعد عن المجتمع ليعيش لوحده في صحراء من الصحاري ، او غابة من الغابات .

و قد كان الكتاب لي خير رفيق و صديق و معين في غربتي، لاسيما و أن المغترب في بداية الغربة يشعر فيها بألم فراق الأهل و الأحبة، و يشعر بالحنين الشديد للوطن، و رغم أن هذا الشعور و هذا المرض يكون غالبا مزمن، إلا أن الكتاب يخفف معاناة الغربة، و يسلِّي النفس، لاسيما و إني قد انتخبت لنفسي بعض الكتب الجميلة التي تناسب الظرف و الفترة، فغالبا ما يكون اختيار الكتاب المناسب دافع لقراءته و إنهاءه.

و لعل من محاسن الغربة أنها توفر أجواء القراءة المناسبة، كما أن الثقافة الغربية تبين لك أهمية القراءة و الكتاب، بل إن مجرد النظر الى أعداد المكتبات العامة في مدينة فانكوفر الكندية تثبت لك مدى اهتمام هذه الدول في تثقيف شعوبها و حثهم على القراءة، وزيارة بسيطة لمكتبة فانكوفر العامة تبين لك بأنها (عامة) و يمكن للجميع أن يتبرع بالكتاب و سوف يوضع في رفوف المكتبة المكونة من سبعة طوابق و تضم عشرات الآلاف من الكتب لمختلف اللغات و الثقافات و الأديان.

و في ختام حديثي الرابع، أوصي نفسي و أخواني المغتربين و مجتمعي لضرورة تبني ثقافة القراءة، و الترويج لها، و التشجيع لكسب مهاراتها، فخلق مجتمع يقرأ يعني خلق مجتمع واعي و مثقف يستطيع تجاوز مشكلاته بكل يسر.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
الباحث
[ السعودية - القطيف ]: 19 / 3 / 2012م - 1:52 ص
جميل جدا,,,أتمنى من الكاتب الكريم أن يضع لنا مجموعة من العناوين للكتب التي ينصح بقراءتها كونها نالت استحسانه واثرت في شخصيته ومسيرة حياته
فالكثير من الشباب والشابات لا يجيدون اختيار نوعية الكتب الملائمة لهم مما يؤدي عدم استسياغهم للقراءة وابتعادهم عنها
2
منتظر الشيخ أحمد
[ Canada - SAULT STE MARIE ]: 22 / 3 / 2012م - 3:36 ص
الأخ العزيز الباحث
وجود برنامج قراءة عامل مهم جداً، و لكن إن كان سؤالك في الكتاب الذي أنصح بأن يبدأ به الأخ المؤمن فهو كتاب (الثقافة الرسالية) للمرجع المدرسي و الذي يحمل اسم مؤلف مستعار وهو (احمد ناصر)، كما أن كتاب (المجتمع الإسلامي) من اهم الكتب في الساحة الفكرية اليوم، و كذلك كتاب (مقومات الشخصية الإسلامية) حيث أن هذه الكتب تساعد الإنسان في تثبيت هويته الدينية في وجه الحضارة الغربية، خصوصاً الشاب المغترب.