جواب المكاشفة

 

 

 

﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص

بدد الله خوف موسى مما قد يعترض سبيل دعوته، وطمأنه على المستقبل. حيث أخبره أولا باستجابة دعوته الثانية بقوله ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ، والعضد هو ما بين المرفق والكتف، وهو – كما يقول الزمخشري في الكشاف - قوام اليد، وبشدّتها تشتد. قال طرفة: أَبَنِي لُبَينَى لَسْتُمُ بِيَدٍ إِلاَّ يَداً لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
ويقال في دعاء الخير: شدّ الله عضدك. وفي ضده؛ فت الله في عضدك.

ثم أخبره باستجابة دعوته الثانية بتأمينه وأخيه من وصول أيدي الظالمين إليهما ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا.
ثم أعطاه زيادة على ما طلب وعدا بالنصر له ولأخيه ولمن اتبعهما.

وقفات:

1- تبديل الخطاب من المتكلم إلى الغائب في قوله (قالَ) بدل (قلتُ) لعله إشارة إلى المدد الغيبي الذي سيأتيه. وتبديل الضمير من المفرد إلى الجمع في قوله (سنشد، ونجعل) إشارة إلى عظمة المعطي والعطية.

2- وضوح المهام والأدوار في العمل المشترك مهم جدا، ويساعد على نجاحه. وهذا ما نلحظه في تحديد دور هارون في شد عضد موسى عليهما السلام.

3- التكامل والانسجام أساس نجاح العمل المشترك.

4- الأخ أولى من غيره بمؤازرة أخيه ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ، ويشمل ذلك الأخ في الله حيث أخوة الإيمان أقوى من أخوة النسب وحدها.

5- قدرة الله تعالى على حفظ العبد من كيد أعدائه، فقد ضمن الله لعبديه موسى وهارون حفظهما بسلطان من عنده فلا تصل إليهما أيدي المجرمين.

6- قوله (سلطانا) بالتنكير لا بالتعريف يدل على عظمة السلطة والغلبة الممنوحة لهما من الله. كما يدل على مجهولية حدود هذا السلطان عند الأعداء مما يزيد في قوة تأثيره.

7- قال صاحب الميزان في قوله ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا: وعدم الوصول إليهما كناية عن عدم التسلط عليهما بالقتل ونحوه كأن الطائفتين يتسابقان وإحداهما متقدمة دائماً والأُخرى لا تدركهم بالوصول إليهم فضلاً أن يسبقوهم.

8- من هذا نفهم أن المؤمنين سباقون دائما لا يتقدم عليهم متقدم إذا تمسكوا بآيات الله وطبقوا حقيقة الإيمان؛ ﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .

9- لم يقل: ونجعلكما ومن اتبعكما الغالبين. بل قال ﴿أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ وهذا يدل على أن الغلبة الحقيقية مصاحبة لهم لا تتخلف عنهم. وقد تكون الغلبة الظاهرية لغيرهم ﴿َا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ ، ولكنهم في الواقع هم الغالبون بحجتهم ومنطقهم وتأييد الله لهم.

هذا ما ينبغي أن يدركه المؤمنون خصوصا حين اشتداد الأزمات وطغيان الزبد على السطح.

10- الاتباع ليس أمرا مذموما دائما ولا ممدوحا دائما. بل يتعلق بالمتبَع (بفتح الباء) فإن كان قائدا ربانيا، فإن اتباعه يقود إلى الجنة، وإن كان شيطانيا فاتباعه سيقود إلى النار حتما. لذا على كل واحد أن يفكر من يتبع قبل فوات الأوان، حيث يتبرأ القادة الشياطين من أتباعهم كما يقول تعالى في سورة البقرة: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167).

11- القائد يحتاج إلى أتباع يلتزمون بتوجيهاته، وبدون ذلك لا يتحقق النصر. فمجتمع بلا قادة أو قادة بلا مجتمع يتبعهم معادلة مختلة لا تنتج النصر المطلوب.

12- هناك استفادة تتعلق أكثر بسؤال موسى عليه السلام لربه أن يرسل معه أخاه هارون. فموسى برغم العشر سنوات التي قضاها في الغربة إلا أنه لم ينسَ أخاه وكفاءته وجدارته. فلا ينبغي أن ينسينا البعد والغربة أهلنا وإخواننا.

شاعر وأديب