إصطفافات براقة!!

من الطبيعي أن يصطف كل فردٍ منا ضمن فريق أو ضمن جماعة أو ضمن توجه أو ضمن تيار، وأن يحاول أن يخدم مشروعه وتوجهه وقناعاته بشكلٍ أفضل من خلال الإستقواء بجماعته والإنتماء لها، حيث التفرق والوحدة بلا شك ضعف ووهن وخسارة وخيبة. لهذا، فمن الطبيعي أن نصطف ومن حقنا أن نصطف. فالإصطفاف حالة طبيعية، تبررها وتدعمها ظروف الحياة وطبيعتها.

ولا شك أن هناك اصطفافات بناءة وإيجابية يحرض عليها العقل والمنطق، كما تحرض عليها العواطف والغريزة والطبيعة الإنسانية. لكن، ماذا عن تلك الإصطفافات الهدامة، ذات الشعارات البراقة ضمن حدود الجماعة، التي تمزق وتهدم ولا تدعم أية جهود للتطوير ولبناء الأمة والوطن والحياة؟! بل ولا حتى الفرد ولا الجماعة الضيقة؟!!.

هنا عندما نخطيء في تحديد أولوياتنا عبر تلك الإنتماءات، وعندما تخضع أولوياتنا لفرز غير واقعي وفرز غير حكيم وفرز غير منصف وفرز غير بناء وفرز غير ذكي وفرز غير عاقل وغير منطقي، فسترتبك حينها أولويات وتحزبات حياتنا، وسنطلق حينها الزوجة من أجل جلسة شاي أو سمر مع الشلة، أو نبيع منزل العمر من أجل حضور مباريات لكرة القدم في مختلف دول العالم، أو نتسلى بأفضل أفلام هوليوود وألعاب البلاي سيتيشن بدل قضاء أوقاتنا أمام الكتب العلمية لصناعة مستقبل زاهر لنا وللأمة ... الخ. وهذا في الواقع ما يفعله الكثيرون منا جهلاً أو عن عمد، بسبب قناعاتهم وعواطفهم الخاطئة والمختلة.

البعض يجهل أن أبناءه أهم من الشلة، والبعض يجهل أن ذاته أهم من حزبه، والبعض يجهل أن المعرفة أهم من التسلية اللحظية .. الخ، رغم وضوح بعض الأولويات والضرورات. وهؤلاء يجب تصحيح عقولهم وأفكارهم ومعارفهم. وهناك آخرون أيضاً قد يفتقدون الإرادة والرغبة الجادة في الخلاص من إرتهان سلوكهم لإدمان عاطفي على ممارسات خاطئة قد يحتاجون معها لكورسات لتصحيح المشاعر وإعادة توجيه رغباتهم الوجهة الصحيحة.

ويبقى السؤال هنا والإستقصاء: أيهما أهم ( ..../.... )، الفرد أم الجماعة؟! الوطن أم المذهب؟! المذهب أم الدين؟! الدين أم الإنسانية؟! الشعار أم الجوهر؟! التنمية أم البهرجة؟! المعرفة أم الشهرة؟! ... الخ.

وبعض الفواصل قد لا تكون حادة بتلك الدرجة الحرجة التي قد تبرز في بعض النقاشات في بعض القضايا والجدليات الدينية، فيمكنك أن تمتنع عن لعن وسب رموز الآخرين وأن تتوقف عن الجدل المذهبي دون أن تخسر مذهبك، ويمكنك أن تحتفظ بتسليتك وتصب إهتمامك أيضاً في نفس الوقت على المعرفة وعلى بناء ذاتك، ويمكنك أن تكون وطنياً وتحافظ على دينك ومذهبك ... الخ. فكل ذلك يمكن أن يجتمع إذا حضر العقل وغابت العنتريات والعقول المنخورة من جذورها.

في الحقيقة، أحيانا نحتاج فقط للتخفيف من بعض العلاقات والإهتمامات لصالح أخرى، وأحياناً نحتاج فقط لأن نلوذ بالصمت أو فقط لأن نختار عباراتنا بدقة وحذر أو فقط لأن نجامل من أجل المصلحة العليا ... والمجاملة نصف العقل .. كما ورد في الأثر الشريف.

وفي النهاية، فيمكن القول أنه لا معنى للإصطفاف الديني والمذهبي ضد (العقل وضد الإنسانية)، فقد ورد أنه لا دين لمن لا عقل له. ومن الطبيعي أيضاً، أنه لا دين لكل قاتل ومتوحش ومفجر وداعم للكراهيات والحقد والإيذاء والتشفي ... الخ، فهذا بالتأكيد خلاف المنطق وخلاف ما جاء به نبي الرحمة . لكن، في أجواء الصراع والإحتراب واشتعال العواطف، يتجاوز كثيرون من أبناء الأمة هذه القواعد الواضحة بسبب عوامل مختلفة قد لا يغيب عنها غالباً التضليل السياسي والإتجار الديني والمذهبي، فيفشل الكثيرون هنا خصوصاً في تحديد أولوياتهم وانتماءاتهم الصحيحة وفي ضبط خطاباتهم وعباراتهم وكلماتهم، لذا يحتاج الكثيرون منا لوقفة بل لوقفات تأمل ... والسلام