منفوخ الوجهين

كنت عائدة لمنزلي .. أسير في شارع 25 .. فأصابتني قشعريرة أسفل قدمي .. أرسلت بهجة في قلبي .. و أعادت الذاكرة للوراء منذ كنت طفلة في الخامسة أو الرابعة من عمري ، فرجعت للخلف بخطوات قليلة ووقعت قدماي على أوراق الشجر المتساقطة الجافة .. كان صوت الأوراق المتكسر من ودس قدمي يقع على مسمعي كسيمفونية عزفها فنان ، أردت أن أعيدها مرات عدة .. لأتلذذ بفعلٍ كنت أشغفه في صغري ، لكن عيون المحيطين كانت تقع علي فخجلت أن أعيد تلك الموسيقى ! مشيت و صدى تلك الأوراق يحمله قلبي قبل أذني ، مرّت الذكريات و كأن شريط فيديو قد شٌغل أمام ناظري ، أول لقطاته أنا في رياض الأطفال ..أجري على الأوراق الصفراء المتساقطة التي غطت أرضية الفناء .. ذو المربعات و المثلثات السوداء و البيضاء العشوائية ، كنت استمتع بهذا و أحسبها كاللعبة ، ثم في فناء بيت جدي في الممر الخلفي الضيق ، كانت اللقطات تسير في مخيلتي ، فجأة انقطعت حينما أصبح مساري بزاوية تسعين درجة ، اصطدمت بطفل قصير القامة منفوخ الوجهين ، كثيف ومجعد الشعر ، رائحته نتنة و يحمل سيجارة باتت تكون لا ترى لضخامة أصابعه ، كرشهُ ذكرني بالبالون السميك الذي بنهايته مطاط بني ، قهقه بصوت عالي و تتطاير من فمه دخان أبيض .. حرك حاجبيه لأعلى و أسفل سريعا … رافعا السيجارة بيده قائلا ً: ( حلوة السيجارة .. يا حلوة ) !!