ويبقى الحسين: الخطاب العاشورائي بين الفكر و العاطفة

 

 

 

لقد جاءت #النهضة #الحسينية المباركة من أجل تحرير إرادة الأمة وإحياء ضمائرها، و كان العنوان الكبير من مسيرة الإمام الحسين هو (الإصلاح)[1]، لهذا العنوان الملخص لرسالة الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء هو (الإصلاح) و إستنهاض الأمة لتنتفض على الظلم و الطغيان المتمثل في يزيد و اليزيديين.

ولاشك و لا ريب أن للمنبر الحسيني الفضل الكبير في إحياء ذكرى إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وواقعة الطف ونقل المواقف المشرفة والعبر إلى الأجيال وذلك من خلال المحاضرات التي تسرد الوقائع التاريخية لتلك الفترة والتي تسمى حاليا بالمقاتل، و رغم أن في الغالب يربط المنبر الحسيني بالبكاء و النحيب، و هو أمر مطلوب و دلالة صادقة على الإرتباط بأهل بيت النبوة(عليهم السلام)، إلا أن لغة الخطاب العاشورائي في زمننا هذا، و المنابر التي تستقطب اللون الأعظم من الناس هي تلك التي تركز بنسبة كبيرة على الجانب العاطفي و هو البكاء؛ في مقابل تذكير الناس بالأهداف الكبرى التي خرج من أجلها المولى الحسين(عليه السلام) و هو الإصلاح. الإصلاح الذي يبدأ بالكفر بنظام آل أمية.

إن أول من صعد المنبر كان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وذلك في مجلس يزيد بن معاوية، وقبل أن يكون هدفه (عليه السلام) من صعود المنبر إثارة عواطف الناس وإستدرار دموعهم، فإنه عرف أهل الشام بحقيقة يزيد ونظامه الفاسد وفي الوقت نفسه عرف الناس بالقضية التي من أجلها حدثت واقعة الطف.

صحيح أن المصيبة العظمى في تلك الواقعة هي إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وبتلك الصورة المؤلمة إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون المحور الوحيد الذي تدور حوله المحاضرات الحسينية، فثمة مواقف كثيرة لابد من تسليط الضوء عليها وكلها تثير المشاعر وتترك أثرا بالغا في النفوس، وهي دروس لا يمكننا الإستغناء عنها في كل زمان ومكان. و لايمكن فصلها عن الواقع المعاش.

إن المنبر الحسيني، يعتبر موقعا متقدما من مواقع التثقيف الإسلامي، فهو المنبر الذي يجتذب الجماهير الإسلامية إجتذابا تقليديا، الأمر الذي يفسح المجال للخطباء والمبلغين للنفاذ إلى عقول الشباب وقلوبهم من خلال الإنفتاح على الفكرة والحركة والثورة في مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام). وهي مدرسة إسلامية شعبية متنوعة الشعب والأساليب.

وإنها أفضل وسيلة للدعوة الإسلامية، ولعرض الجوانب الفكرية في الإسلام. وهناك تفاعل بين المسألة الفكرية والمسألة العاطفية، لأن الفكر المنفتح على العاطفة يجعل لها هدفا أكبر، فلا تكون العاطفة مجرد حالات إنفعالية مؤقتة تتحدد بأيام عاشوراء، فالإنفعال النفسي لا يلبث أن يهدأ بعد حين وفي زحمة الإنشغال بأمور الحياة ينسى الإنسان البعد العاطفي، ولكن التزاوج بين البعد الفكري والعاطفي هو الذي يحقق لرسالة عاشوراء الهدف الأسمى ومضمونها العميق وبذلك يتطور الإيمان إلى حب أو بغض من خلال إنفتاح العقل على القلب.

إن جذوة العاطفة وحدها قد تخمد إذا لم يسندها الفكر، والعقل وحده لا يحقق الحب والولاء، فينبغي أن نعود إلى الثورة الحسينية من خلال تبادل التأثير بين الفكر والعاطفة ولنعيش ثورة الحسين بالروح والعقل والقلب ولنتحول إلى واقع محسوس نحبه ونلثمه ونذوب عشقا فيه.

[1] كتاب بحار الأنوار 44 صفحة 329 قول الإمام لأخيه محمد بن الحنفية ( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)